قصص وروايات

سفينة في عرض البحر

سفينة في عرض البحر قصة مزجت بين الخيال والواقع والماضي وما هو آت، مزجت بين الخير والشر، الشيايطين الملائكة، الإنس والجن.

بقلم المبدعة/خلود عاشور

سفينة في عرض البحر
سفينة في عرض البحر

سفينة في عرض البحر

إلى أبي الذي ما نظرت إليه حتى وجدت روحي في جسد غير جسدي.
إلى أمي التي باتت تقدمني للناس بلقب كاتبة ، فكانت( ستفعل المستحيل في حضرة من يؤمن بك)
مرحبًا أنا سمية ، أسماني أبي بهذا الاسم تيمنًا بصحابية سمية بنت الخباط أم عمار بن ياسر.
أبي يدعى القعقاع، وأخواتي؛ معاوية، وحذيفة، والمقداد، ومصعب وعمير.
بالطبع أدركت ماذا نكون؟!
نحن عائلة على قدر عالي من الالتزام أب عن جد ، لنا مكتبة إسلامية نعرض الكتب الإسلامية للبيع بأرباح زهيدة، ولنا معهد علوم شرعية نعلم في العلوم الشرعية كافة برسوم زهيدة.
بالمناسبة أنا الابنة الوحيدة لأبي، ولي خمسة صبيان… حماهم الله.
أنا ابنة الثالثة والعشرين، في عامي الأخير من هندسة البرمجيات.
ضع ما بيديك، واستمع لي جيدًا ، فما سأقصه هام، هام جدًا، فبه ألمي وسعدي.
انصت، وضع ما بيديك جانبًا.
رمتني الأقدار في عرض البحر، خلال نزهتي مع حذيفة، فهو يهوى البحر، والبحر يهواه، وأنا أحبه أكثر من أخواتي، هو الأقرب إلى.
خرجت معه، فقامت عاصفة، فارتميت في عرض البحر، تناقلتني الأمواج والأقدار التي كان في طياتها إيباء الموت، ولكن الأسوء.
استيقظت ذات يوم، لا أعلم له موعد، اسعل، وجسدي كأنه محشور في عنق زجاجة تصغره مئات المرات، فجعلت من عظامي رماد.
فتحت عيني، وصرخت باسم حذيفة، فاقتربت مني أحداهن، واظنها زوجة إبليس ولا أبالغ بهذا.
وقالت بصوت كفحيح الأفاعي: إن افصحتي عن ديانتكِ فسيقتتلونك، باسم الصليب….
صُمت أذناني عما دون ذلك، وتمنيت الموت على تغيير ديني، وعزمت على هذا، فالموت على الإسلام شرف.
جُذب معصمي بخفة، فانتبهت، فكان طيبب وسيم المظهر العام، ولكني لم أدقق في ملامحه امتثالًا لأمر الله.
جُذب معصمي بخفة ثانية، ولكن تلك لانتبه لقوله.
سفينة في عرض البحر. كيف حالكِ؟
التقطت عيناي صليب معصمه، فجذبت معصمي منه رغمًا عنه، وقمت، فباغتتني ( زوجة إبليس ) وجذبتني إليها، وهمست: الموت أيسر عقاب سيفعلونه إليك، ولكن الأقوى منه؛ جعلك تتمنيهِ في الدقيقة ألف مرة.
نظرت إلى عيناها، فكان شر العالم تجمع في كتلتها.
أكملت بفحيح الأفاعي أمام عيني تتحرك شفاها، وقرب أنفي يتصاعد رائحة خبث لسانها، وكرِيهِ رائحة حديثها، فالكلام إن كان خبيث، شُمت رائحة خبثه…. تقول: أتدري أغلى ما تملكين، يمكن انتهاكه هنا، بل المتاجرة به، هنا فقط يعلو الصلبيب ولا شيء غيره، وما دونه يُنتهك، مثلما تفعلون أنتم باسم دينكم.
كان الطبيب يقف خلفها، ولكن كان على مسافة لا تتيح السماع.
أمسكت لساني عن الرد على أخر جملِها، فما كان لدى الطاقة لأفحمها أن ديني هو دين الحق رغم أنوف الجميع.
أكملت فحيحها في أذني: لا نقاش لدينا، ستقتلين إن خالفتِ أمر الصليب.
أغمضت عيني، أتذكر عذب صوت أبي، وحذيفة، حينما تقاسمون قراءة سورة المائدة ” لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) “
كيف هذا؟ إن كانوا بحق ملتزمين، فلن يضروني بشيء أبدًا .
فتحت عيني، على جذب الطبيب ليدي، وهو يبتسم ابتسامة مطمئنة.
فرت الدموع من عيني لتسقط على يديه.
رفع عينه إلي، يستفهم، فأشاحت بنظري بعيدًا.
ترك معصمي، وبدأ بتدوين الملاحظات على الدفتر، ثم أعاد تعليقه على السرير ثانية.
تنهدت براحة بعض الشيء، فهذا يعني إنهاء زيارته، وخروجه، لكنه لم يفعل، سحب كرسي، وجلس أمامي يلتهمني بعينه.
سحبت ما استطيع من الغطاء، وألقيته علي، ولساني حالي يقول: أليس بدينكم ما يمنعكم من إطالة النظر لغير المحارم.
وليت له ظهري.
ايلين!
نادي بهذا الاسم، فلم يكن هناك سوىّ بالغرفة، ولكن بابها مفتوح.
أنا انادكِ آنستي !
التفتت إليه، وأنا عازمة على التوبيخ، أيساوى سمية بأيلين؟!
لست ايلين.
رفع حاجبيه، وقال: ولكن أمك أملت بياناتكِ هكذا.
ايلين جورج.
جَزِّتُ على أسناني حتى كادت تنفرط.
أتبدل القعقاع بجورج؟
وزوجة إبليس تلك أمي!
أكمل الطبيب: أمك أمنا كلنا في المدينة، كنا نعلم أنها لديها ابنة، ولكن لم أكن أعلم أنها بهذا الجمال .
لا أعلم لمَ أحمرت وجنتاي إثر حديثه، ولكني بالنهاية فتاة وهو رجل، رغم اختلاف الديانة.
ناشدتني نفسي بقبول الغزل في سفينة في عرض البحر، ولكني عنفتها، ونظرت له بحدة.
سفينة في عرض البحر- فوضع عيناه في الأرض خجلًا.
أكمل وعينه بالأرض ، وكأنه يواري سوءة فعله منذ قليل : كم تمنيت مقابلة الطاهرة بنت الأطهار، أباك رجل فاضل، خدم الدين كثيرًا بالمال والجهد، وأمك كذلك.
قلت في قرارة نفسي: بالفعل أنا طاهرة بنت أطهار، خدم أبواي الدين كثيرًا بالمال والجهد والوقت والعمر، ولكن ليس هذا الدين، أنا لا أقلل من دين أحد، لكم دينكم ولي دين، ودومًا أبي كان يكرر “
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)
اعلم أن تلك الآية أُنزلت في الاوثان. ، ولكني اتخذتها منهاجًا خوفًا على ديني من السب.
أفاقت من شرودي على جذب معصمي بشيء من القوة من زوجة إبليس.
اقتربت مني تقبل بين عيناي، وهي تتصنع البكاء، وتتصنع الحديث الطيب أيضًا.
تبعتها عيني وهي تخرج ثانية.
ألتفتت إلى الطبيب بلسان متلعثم في سفينة في عرض البحر، وصوت تردد في الخروج كثيرًا من مبعثه، قلت:” منذ متى وأنا هنا؟ وكيف جئت لهنا؟
هو: ألا تدري حقًا ؟
أنا: لا أتذكر بالفعل.
تقول أمنا أنكِ كدت تغرقين، ولكنها أنقذتكِ .
من أين؟
من بحرنا.
كان يتحدث وكأنه أمر عادي بالنسبة له.
رفعت يد يسري أجذب الغطاء لأعلى، فلمحت عيني ما طُبع عليها.
شعرت بموجة جليدية ساقعة تلفح جسدي، وبدون إرادة مني أضحيت أصرخ، حتى كادت أحبالي الصوتية تنقطع، ولم يهمني هذا، كنت أصرخ بهيستريا كبيرة.
كنت أتحدث في قرارة نفسي – وتمنيت لو سمعوه ليقتلوني- أريد الموت على الإسلام، وأنتم طبعتم الصليب على معصمي، أن لعنة الله عليكم أيها الظالمون.
ارتميت أرضًا من فرط الإرهاق من الصراخ، ومحاولة دفعهم عني، فالتقطت عيني الخشب المرصوص على الأرض، ، والتقطت أذني صوت ارتطام موجات الماء مع بعضها، فأدركت أننا في عرض البحر… أننا في عالم في عرض البحر.

قصة سفينة في عرض البحر

كنت اتمنى الموت ألف مرة بدقيقة، عالم كافر أعيش به، أُمنع من ممارسة شعائر، الإمساك فيه على دين كجمر من النار، بل نار ذاتها.
مرت السنون، سنون عجاف، أحاول فيها الثبات، ومراجعة القرآن الذي كان بعضه قد تفلت من رأسي، هذا بالطبع طبيعي، فأنا هنا منذ سنوات، ولا مراجعة حفظ، أو حتى قراءة على الأقل .
استقيظت يومًا في سفينة في عرض البحر، وفي داخلي صوت يقول: سُميت سمية على اسم سمية بنت الخباط أم عمار بن ياسر ، أم آل ياسر الصابرون المحتسبون، المبشرون بالجنة من لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ” صبرًا آل ياسر، إن موعدكم الجنة”
كيف تستسلمين؟ ولمَ لا تغيري الواقع كله!
قمت وأنا أنوي فعلها حقًا، فقابلتني أمي المزعومة لدى الباب تقول: ستتزوجين الليلة، جهزي نفسك.
توقفت عيناي عن التحرك، وثبتت على وجهها تبغي تزيل جملتها بنفي، ولكنها أكملت بفحيح الأفاعي السابق الذي لم يفارقها أبدًا ، ولكني كنت أحاول التغافل عنه: لتنجبي خمسة أطفال، فالسفينة تحتاج لخمس أفراد، وكذلك الدين يحتاج لخمسة يحافظون عليه.
أصاب قلبي خيبة وألم عرفت مذاقه منذ وطوئي السفينة… ( سفينة الصليب ) حيث يديرها زوجة إبليس، عرفت أنها قرية أهلكها هياج البحر، فصنعوا سفينة عظيمة جدا جدا، وعاشوا في عرض البحر ، وتزاوجوا فيما بينهم، وتتدارسوا، وتكافلوا، وصنعوا مجتمع خاص بهم متكامل ومتكاتف تُرفع له القبعة، ومن يأتي إليهم، يُدخل في دينهم شاء أم أبي.
أُرغمت على الزواج، وكان الزوج الطبيب.
اختلى بي، فصرخت في وجهه ألا يقترب.
هو: ما بكِ ايلين؟
صرخت أكثر، وقلت: لا تحل.. ديني لا يحلك لي…. انا مسلمة، والزواج منك حرام.
تلون وجهه.
سفينة في عرض البحر- فأكملت صراخ، وأنا أقول لا استطيع الإكمال في تلك اللعبة، لن أقبل عصيان ربي أكثر من هذا.
هو بدموع ترقرق في عينه، وترجي منه: تمزحين معي؟ أنتِ الأكثر التزاما في المدينة… ترتدين الحجاب.
لوحت رأسي، ودموعي تتسابق مع أحرفي: لأني مرغمة عشت معكم، كنت اختلس الصلاة ليلًا ، و أسجد للصليب نهارًا، واحفظ الإنجيل واتلوه، وأقيم الصلاة، وأحضر الخطب والمحاضرات، خوفًا من هتك عرضي، والعذاب، شهقت، وأكملت بقين إسلامي بحت، علمني إياه أبي منذ خمس سنوات على سفينة في عرض البحر: ولكن لا وزر علي، ما دمت لا أملك من أمري شيئًا، ومن لطف ديني لو أرغمت على البغاء فأنا مغفور لي.
قبض بين حاجبيه، وقال: أتدرين ما عقاب هذا.
اقترب وهو يفك أزارر قميصه.
فسحبت السكين من خلفي، وقمت أقول بثبات لا يهزه شيء: أني أشهد الله أنه لا إله إلا هو، وأن محمدًا عبده ورسوله، وهاته سكينة فأغرسها بقلبي وخلصني من الحياة، ولكني لن امت إلا على شرف، ودين
صُعق من ردة فعلي، وجلس على الكرسي مبهوت.
فهرولت خارج الغرفة في سفينة في عرض البحر، وصرخت بأعلى صوتي: يا هؤلاء! أني أشهد الله أنه لا إله إلا الله هو، وأن محمد عبده ورسوله… وأشهد…..
كتم فمي بيده، وجذبني للغرفة، دون أن يلتفت إلي أحد من صخب المكان احتفالا بالزفاف.
القني على الأريكة، جثى على ركبتيه وقال: أردتِ القتل الليلة على الزواج مني؟ أقبيح لتلك الدرجة.
سحبت ركبتي من أسفل يديه، وقلت: ديني لا يسمح لي، والدين أولا.
هو: عشتِ وسط دين غير دينك خمس سنوات، ولا تزالين تصرين عليه؟
فضل من الله ونعمة، وليس قوة الثبات عليه…. وأنا الآن لا أخشى الموت أو التعذيب لأجله، على العيش وسطكم
وضع عينه ارضًا ثم رفعها يقول: لا موت ولا تعذيب، اعتبري زواجكِ مني تذكرة عودة لدينك.
وقفت وأنا لا يزال السكين بيدي، فهم أن يُجلسني ثانية ،فأشاحت بيدي بعيدًا عنه، وقلت : ها هو السكين موجود، وأنا الباغية للموت و اتتوق لغرسها بالجسد، فلا تعطيني الحياة ثم تسلبها ثانية، العودة لديني حياة، فلا تسلبها مني.
سفينة في عرض البحر- قام ونظر لعيني يقول بصوت يسلب اللب والقلب: وكيف لي أن أسلب حياة بها حياتي ؟ صمتك وحزنك الدفين في عينك كان يدعو قلبي كل ليلة إليكِ …. أحبك رغم اختلاف الدين.
مرت الأيام وقلبي تغزوه السعادة، وأنا أعود لديني بفرائضه ونوافله، واثباتًا لحبه لي؛ اشترى لي القرآن الكريم بالتفسير فالتهمته التهام الجائع خمس سنوات، ما غفت لي عينًا حتى اتممته.
وكان وليم كلما سافر للبرية والبلاد اشترى ما تصل إليه يده من كتب الإسلام لإسعادي.
استقيظت ذات يوم وذات الصوت يقول: هلمي لتسلم على يديكِ سفينة الصليب.
تلقيت في دعوتي للإسلام أشد أشد العذاب، نبذني وليم بعدما كنت الأقرب إليه.
ظلّيتُ أدعو للإسلام سبع سنين، لم تفتر عزيمتي قط، بفضل من الله.
تارة كنت اجادلهم بالحجج وأنا أهلها، فالمكتبة الإسلامية خاصتنا كنا نتنافس أنا وأخواتي على إنهاء كتبها فهمًا ومجادلة، إضافة لدراسة لإنجيلهم خمس سنوات قسرًا …. فحفروا لي حفرة لأقع فيها عن ديني، فكانت حفرة لمرورهم من الضلال للحق، وتارة بالدعاء والصبر، وتارة بالمناظرة…. إلى أن يأسوا مني أن اتحول عن ديني أو أرضخ للعذاب الذي تعود جسدي عليه، فلم يعد يؤلمني، قرروا إرسالي مزودة بالمال فقط ليتقوا شري إلى الأرض والبر، وينتهوا .
كان هذا أقسى عقاب لي.
جهزوني ليلًا لإرسالي صباحًا .
جلست في تجاه القبلة أبكي ولا اتفوه بحرف، كان قلبي قد أُرهق من كل شيء فبكي.
اشرقت الشمس، فطُرق الباب، ظننت أنه وليم ليقودني للبر، فُتح الباب فكانت أمي المزعومة.
دخلت بهيئة غير هيئتها عينها بالأرض، ووجهها هادئ، جثت على ركبتيها، وجلست بين يداي، ورفعت عيناها لي وقالت: واني أشهد الله أنه لا إله إلا الذي أمنتِ به، وأن محمد عبده ورسوله.
صرخت فرحة لأول مرة منذ ثلاثة عشرة عامًا …. منذ وطوئي السفينة..
وتبعها باقي أهل السفينة، لتصبح أكبر وطن متحرك في الماء يدعو إلى الله.
فما ظنكم برب العالمين؟
إلي هنا تكون انتهت قصة سفينة في عرض البحر نتمني أن تكون أعجبتكم.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!