قصص وروايات

رواية شتات روح

جدول المحتويات

شتات روح

بقلم/ خلود إبراهيم

أكَاد أن أتَفكك بِسبب ذاك الصراع الذي يَحدث بين عقلي وقلبي، أريد أن أعْلم لِما لا يُمكنهم أن يَتعاونوا معًا؟ مَن المُفترض أن أكون أنا مَن أتحكم بِهم، ولكن هذا لَيس بصحيح، فهُم من يَتحكمون بي.
ذاك القلب الأحمق يُصّر على أن أعود لِمن دَمره قبل آن ليس بِطويل، هل هذا يُعقل؟ بالطبع لا، فَإنّهُ قد كَسره ودَمّره وقد جعله أشْلاء، فَكيف لِهذا القلب الأعمى أن يُطالب بِالرجوع له؟ فَمُجرّد التفكير في الأمر يُعتبر جنون.
وأمّا عن ذلك العَقل القاسي، فَهو يُريدني أن أُحطّم ذِكراه وأتَناساه، يُريدني أن أصفعه مثلما صَفعني، يُريد أن يأخد حقّ مَن لا يُريده، كيف يكون بِذاك القسوة؟ فأنا بِذاتي لم أصل إلى ذَاك الحد، إنه يَحثني دائمًا على الإنتقام، ولكن كَيف لي الإنْتقام مِن شخصٍ كان لي الحَياة وما فيها؟!
مَاذا أفعل الآن؟ إلى مَن أستمع؟ فأنا لا أسْتطيع أن أعُود له ولا أن أكُون قاسِية عليه، وكأنّ مَكتوب عليّ التّمزق والوَجع، فعِندما ذهبت تَمزّقتُ أنا، وعندما تَمزقت قامت المُشاجرة بين مَن لا يُقدّرون سِوى أنفسهم، نَعم القَلب والعقل..
.
.
.
يَذهب إلى مَكان مَا، مكان كُل مَا يُمكن ذِكره أنّ الشَيء الذي يمر بـهَذا المَكان يصْدر ضجيجًا، يمُر بِجانبك بِسرعة كَبيرة، يَسير أو يَركض بالمَعنى الأصَح عَلى قُضبين حَديديين، يَذهب كَي يُنهي أمْر بِحياته، أوْ حَياته بِأكملها.
ولَكن أوْقفه صَوت يَعرفه جيدًا، وبالطبْع لمْ يكُن سِوى عَقله.
_ رَفيق إلى أيْن أنتَ ذاهِب؟!
= كَي أنْهي الأمْر.
_ هَذا جُنون.
=لَم آخُذ برَأيك.
_ ولِما؟ لِما لمْ تَفعل هَذا؟
= لِعلمي بِما سَتتفوه بِه.
_ تَقصد لِعلمك أنّي سَأتفوه بالأصَح.
= لَا يهُم، فَأنا الآن قَد قَررت أنْني يَجب أنْ أنتَهي، أُصبح مُجرد ذِكرى..ولَكن مَن سَيتذكرني؟ لَا يهُم انْسى الأمْر
_ إسْمع رَفيق، أنَا عَقلك، فَكر بِي جيدًا، فَكر أوْ قَارن أي حَال الأحْسن عِندما تُنهى حَياتنا بِلحظة أمْ أنْ تُفكر فِي أنْ تُصبح أقْوى وأمْهر فِي كُل شَيء، وأنتَ تَعلم جيدًا أنْني بِاستطاعتي فِعل هَذا بِك
=……
_ لِما الصّمت؟
= أنَا مُرهق..مُرهق إلى حَد كَبير، لَا أنتَ ولَا أحَد يَشعر بِي
_ مُخطئ، فَلا أحَد يَشعر بِك مِثلي، فَكر بالجَانب الشّيطاني بِي قليلًا، فَكر بدلًا مِن إنهَاء حياتكَ، فَكر كَيف تَجعلهم يَندمون.
= حسنًا، سَآخذ تِلك المَرة بنصيحتكَ.
_ لَن تَندم، لِذا هَيا قِف بِشموخ أنْظر للضوْء الذي أمامكَ،تاركًا ذاك القِتام، وهَيا بِنا كَي نُقاتل الآخَرين بدلًا مِن قِتال أنْفسنا.
كنتُ أجلس بجانبها على قمةِ الجبل المفضلة لها أنظُر إلى عينيها أستمع إلى صوتِها كانت في غاية الرقة فَهي قد سحرتني عند رؤيتها في المرة الأولى، ولوهلة أغمضتُ عيني ثم فتحتُها مرة أخرى لم أجدها لم أجد عينيها التي كنتُ أنظر بها ولا أستمع إلى صوتها النّاعم، وبوهلةٍ أخرى تذكرتُ كل شيء حدث، ما حدث مُنذ شهرين وثلاثة أيام عندما كُنا نجلس هنا سويًا وهي سقطت ولكني لم أستطع إنقاذها كانت تُحاول مدّ يَديها لكي أساعدها ولكن لم أستطع، لِذا قررتُ أن آتي إليكِ حبيبتي وبِنفس الطريقة سأعاني مما عانيتي منه، سَأسقط وسأتركُ جسدي بِدون شعور يذهب إلى هذا القاع ويتحطم مِثلما حدث معكِ، ها أنا آتي إليكِ حبيبتي فقط أمهليني بَعض اللحظات
.
.
تقلصتُ أنَا وغُرفَتي الكَئيبة تِلك، تَقلصْنا وإنْحبسنَا داخِل رطمٍ واحِد، كُنت بِمفرَدي لَكن لمْ أكُن وَحيدًا؛ لأنّ كِتابي كَان مُؤنسي الأوْل والأخِير، لمْ أشعُر بالمَلل أو الحُزن قَط بَل كُنت في غَاية الفَرحة والسّرور، فَمَن عاقِل يُتيح لَه فُرصة الإنعِزال عَن البَشر والإجْتمَاع مَع كِتابه ويَرفض؟! أنَا أحْببت مَا أنَا بِه وأعْلم أنّي لنْ أمِل بِحياتِي مَع ذَاك الكِتاب ومَا بِه مِن كَلمات ذَهبية.
_أصبحتُ حِطامًا
=وكَيف هذا
_أثَر تحمُلي للحُزن
=ولكن مازال يُوجد بكِ جُزء لم يُصبح حِطام
_وماذا إذًا..؟، مُتأكدة أنه سَيصبح حِطام في يومٍ ما هه
=ولكن لَن أجعل هذا يحدُث بكِ
_ولماذا تَفعل هذا ؟
=لأني أرِيد إصطحابكِ مَعي إلى النّور
_حقًا؟
=بالطبع، هَيا أعطني يدكِ و أعدكِ أن أجعل بكِ كُتلة مِن الفرح بدل الحُزن وهذا الحِطام لن يَكون مَوجود بَعد اليوم.
.
.
.
إلى ذَاتي القَديمة التي أصْبحت مُنكسرة ومُتحطمة، كَان مِن الصّعب فِعل هَذا بكِ ولَكن أنتِ كُنتِ ضَعيفة هَشة لَم تَصمدي لوقتٍ طَويل، ولَكن ليْس كُل مَا يَتمناه المَرء يُصبح حَقيقة، فأنتِ بمُجرد تِلك الضّربة الأخِيرة تَحطمتِ وثناثرتِ، ولَكن لنْ يَهمني، فأنَا سَألملم تِلك القطَع المُتناثرة بدمٍ بَارد، سأعِيد بِناء ذَاتي مِن جَديد سَأعديها..وسَأجعلها قَوية غَير مُهششة مثلكِ، فأنَا لنْ تُقفني أيْ ضَربة أخْرى.
.
.
.
أعتذِر لنَفسي كثيرًا عَلى عَدم تَحملي المَزيد فِي تِلك الحَياة فَهِي أصْبحت فِي غَاية القَسوة، وأصبحتُ أنَا شَخص غَاية فِي الانطِفاء، لَقبني البَعض بِـ “المَريض النّفسي” أنَا لستُ مَريضًا لكِن الحَياة تَركت أثَر بَي لنْ أستَطيع تَجاوزه، حَطمتني كثيرًا ،كَانت مَعي قَاسية، بَاردة، عَصيبة، وبَعد كُل هَذا فَهل لِي مِن تَحمل للمَزيد ؟ رَدي الأوَل والأخِير هُو لَا، لِذلك أنَا أُعلِن إنسِحابي الآن مِن تِلك الحَياة.
.
.
.
تَتحدث مع عقلها كل لَيِلَةٍ ولكن تِلك الليلة كانت أكثر حزنًا.
عقلها :
_ ماذا تَفعلين؟
= أخفي ملامح الحُزن.
_ ولما مِن الأساس تَفعلين ذلك؟
=كي لا يشعُر أحد أنني لستُ بخير .
_مَن كان السبب في تِلك الملامح الحَزينة التي تُحاولين إخفائها؟!
= أشخَاصي المُفضلين.
_مَاذا؟! .
=كما سَمعت، إنهم حقًا أشخَاصي المُفضلين..
_كيف فعلوا هذا؟
=كانوا يُمازحونني أو بالأصح في إعتقادِهم أنهم يُمازحونني، فَهم لم يَنتبهوا أن كلامهم أصبح جارِحً ومُؤذٍ إلىٰ حدٍ كبير، فَقد أصبحتُ عندما أراهُم وأستمِع إلىٰ تِلك الأحَاديث أبتسِم وكأن شَيءً لم يكُن، ولكن عِند المغادَرة أعود بمَلامحي الحزينة مَرة أخرى و مِن ثم أعود لإخفائِها عند مُلاقاتهم بَعدها، فأصبح هذا المُعتاد.
.
.
.
_اذهَب
=لَن أتركك
ِ
_لَا أُريد البَقاء معكَ
=أرجوكِ لا تُغلقي البَاب فِي وَجهي فَـ فَقد أتَيت نادمًا
_وهَل لِي أنْ أُسامحكَ بَعد أنْ جَعلت قَلبي بِهذا الشّكل
=أشعُر بِكل الأسَف و النّدم
_كَفا، فَهذا لَا يُفيد فَقط ارحَل و سَأكون بِحال أفضل
=لَا أُريد الرحِيل
_و أنا لا أُريدك، اذهَب إذَا أحببتِني يومًا
=حسنًا، و لكِن سَآتي مَرة أُخرى..
مَاذا لو عاد معتذرًا
لو عاد معتذرًا لذكرتُه بآخر مرة تحادثنَا فيها، عندما إفترقنَا بالماضي بِطلب مِنه وذهبتُ أنا للإعتِذار ولكنَه أبى وقَال لي بـ لسانِه أنا مِن دونكَ في أحسن حَال، وهَل لي أن أسامحكَ عَزيزي بَعد كُل هَذا، سأسامحكَ عِندما تَستطيع لَمس الشّمس يَا عَزيزي، فلا أنتَ حقًا تُحبني، ولا أنا حقًا أستطِيع إسْترجاع عِشقي لكَ، 9 هُنا مَعذب الضّمير.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!