قصص وروايات

رواية أصوات مجهولة

أصوات مجهولة

– قصة –

بقلم / عبد الكريم مجدي

نَص قصة ” أصوات مجهولة “

يمكنك تخيل الضجيج الذي ينتشر في الشوارع وفي أماكن الزحام والتعاملات المتعجرفه بين الأشخاص بالخارج، وإن شاهدت الضجيج الداخلي الذي يطلق عليه الجميع بالوهم والجنون فهم لا يصدقون بحقيقة صوت إمرأة مُنذ نصف قرن هز مخاوف الجميع وأفصح البعض بأنها امرأة أطلق عليها بامرأة إبليس تسرخ بأعتبارها تطلب الرحمة، ولكن البعض أعتبر هذا الصوت هو شيء مُضبر من الدول العدوانية وبعضًا من العلماء تنبئوا بوجود حالة من الاضطرابات الجوية وحديث البعض بنهاية العالم فالجميع يتحدث ويتوقع ويُفتي ولا أحد يدرك ما مصدر هذا الصوت ومن أين أتى، عجائب الدنيا تأتينا ونتعايش معها بكل أشكالها نتفاجئ ونفزع وفي لحظة نخضع للأمر ولكن لا يوجد من يعلم المصدر فقط نستعجب من حدوث الشيء ونتألف معه حتى النهاية.
أتجهت سيارات الشرطة إلى مكان السرقة بعد تلقي اتصال من شخصٍ مجهول يعيش في منزل بعيد وكأنه معزول عن البقية حين أتصل بمقر الشرطة وبصوت هادئ جداً وبشكل بارد يتحدث:-
– مقر الشرطة.. أسمع أصواتُ غريبة وكأنها سرقه تتم في مكانٍ ما.
– أين هذه الأصوات أيمكنك أخباري؟!
– لا أدري ولكن عليك بالقدوم إلى هنا، وإذا أرد ألا تأتي فسيكون أفضل.
ومن ثم أغُلق الخط، ومع وصول الشرطة إلى مقر هذا الرجل وفي هذا المكان البعيد تعجبوا من منظر المكان، فكان يشبه الصحراء والقليل  من الأشجار فقط تلتف بشكل دائري حول بيت صغير أشبه بالكوخ، ولم يروا شيئًا سوى مستشفى بجانب هذا البيت يبعد عنه بأميال قليله، تعجب أفراد الشرطة وجعلوا يتساءلون لِما توجد مستشفى في هذا المكان المهجور وفي وسط الرمال هكذا وما الأمر بهذا المنزل.
قرروا الذهاب إلى المنزل والحديث مع الشخص المُتصل ليفهموا منه ما الذي يجري.
كان عددهم أثنين فقط فهذا لا يعتبر بالعمل الصعب هي مجرد سرقة، بالفعل أتجهوا الأثنين إلى هذا البيت ويطرقون الباب ومن ثم تبدأ الصيحات حتى يجيب هذا الشخص :-
الشرطي (١):- يوجد من بلغ بسرقه تتم في هذا المكان المهجور، هل يوجد أحد؟!
الشرطي(٢):- أنا لا أرى شيئًا، لست مطمئنًا أبدًا بتواجدنا هنا هيا لنغادر.
بدأ القلق يزداد عليهما فقرروا أن يرحلوا من هذا المكان، ولكن بدأوا يستشعرون بشخص يطلب الإغاثة والصوت قريب من الباب وفي هدوء بدأوا يقتربون سويًا لتدقيق سماعهم من هذا الصوت، وسمعوا بالفعل رجل يتحدث من خلف الباب والخوف على نبرات صوته:-
– هل أنتم شرطة، أرجوكم أريد الخروج.
– نحن شرطة ما الذي يجري هنا ولماذا أتصلت بنا؟!
الرجل يشتد فزعًا ويرُد بصوت مهتز وبرعشه:-
–  أنا لم أتصل بأحد! ، هذا ليس منزلي أنني مسجون.
أستغرب الشرطيين وسألوا الرجل من الذي فعل به هذا ومن سجنه هنا، ردد الرجل قائلاً:-
– يوجد شخصًا ما يريد قتلي وقام بحبسي هنا حتى الشروق، لا أعلم لماذا لم يقتلني ولكنه سيفعل ذلك حتمًا.
وبعد لحظات من التفكير ذهبوا ليتفحصوا هذه المستشفى، وعلى حسب كلام هذا الرجل أن القاتل متواجد هناك بداخل المستشفى.
بدأ فرد من فردين الشرطة يخبر زميله بالأبتعاد عن هذه المنطقة وأن نأتي بمجموعة أكبر وكان الخوف يسيطر عليه فقاطعه زميله وهو يخبره بأنهم سيذهبوا إلى هذه المستشفى ليروا ما يوجد بها ومن ثم سيتراجعون سريعاً. تقدموا إلى المستشفى وهم في حالة ترقب حتى وصلوا إلى البوابة الرئيسية وتفاجئوا من منظر البوابة فكأنها مرسوم عليها أشكال غريبة، وبدأوا بالاقتراب حتى أتضح لهم أنها مجرد أشكال زخرفيه عاديه تزين البوابة، دفعوا البوابة إلى الأمام ليتمكنوا من الدخول ومتمسكين بأسلاحتهم وعندما تمكنوا من الدخول سمعوا صوت صريخ في الطابق العلوي ومن ثم ركضوا إلى الأعلى وأتجهوا نحو صوت الصريخ الذي كان يزداد مع أقترابهم من مصدر الصوت وحتى وصلوا إلى الغرفة ١٢ والمنظر لم يكن بالمخيف:-
الدكتور (١):- أحذروا.. يجب أن لا يموت الطفل نحن نحتاجه.
الممرضة:- وماذا بشأن أمه، ماذا سنفعل بها؟
الدكتور (١):- لن نحتاجها، سنقتلها إذا لم تموت بمفردها.
عندما سمع الشرطيين هذا الحديث أنقدوا بأسلاحتهم نحو الغرفة للقبض عليهم وقاموا بقتلهم وتم أنقاذ الطفل ولكن أمه توفيت نتيجة هذه العملية، أتجهوا إلى الخارج سريعًا وكلما اقتربوا من بوابة الخروج كانت تزداد أصوات صراخ وأصوات غريبة ليست مألوفه بتاتًا، وصلوا إلى البوابة بالفعل وتمكنوا من الخروج، ومع خروجهم هذا كانت بداية لعنه لم يعلم عنها أحد واصطحابهم لهذا الطفل هي اللعنة نفسها، اللعنة التي أستمرت نصف قرن ملئ بخفايا الطبيعة وأصوات مجهولة لم يكتشفها أحد.

لتحميل القصة بصيغة PDF تصفح للنهاية

أصبح كل شيء طبيعيًا لفتره حتى كبر هذا الطفل الذي عاش مع أب وأم وهميين والذي سُمي بخالد.
يمكنك تصديق شيء ما إذا توفر ما يثبت ذلك وإن كان الأمر يصعب تصديقه فستلتفت حول نفسك وتقوم بتوفير الأدلة المناسبة ولو كان يصعب تصديقها.
تجمع بعض العلماء يحاولون فهم ما يجري على رغم من اعتقادهم بانتهاء الأزمة ولكن هذا الصوت يشغل تفكيرهم وبدأوا في البحث والتفكير وأول ما قرروا فعله هو التحدث مع خالد ويأملون في الوصول إلى شيء، والمجموعة التي عُينت للقيام بهذا  الأمر هم العالم رشدي.. العالم ماجد.. العالم محمود.
بدأ حديث بينهم جميعًا للتخطيط فيما هو قادم ولتنظيم الأدوار وأبتدأ ماجد في الحديث قائلاً:-
ماجد:- رشدي ستذهب إلى خالد للحديث معه نحن نريد معرفه كل شيء عن هذه الليلة السوداء.
رشدي:- سأتجه في الحال.
ذهب رشدي بالفعل إلى بيت خالد فيما كان ماجد ومحمود ينتظران عودته، رن جرس الباب أكثر من مره حتى قابل خالد وبدأ بالحديث معه وفزع سريعًا بكلام العالِم رشدي الذي قال:-
– أخبرني يا خالد هل تتذكر شيء عن يوم ولادتك؟!
كيف يتذكر أحد يوم كهذا انه ليس بالسؤال المنطقي ولكن العالِم رشدي ظن وتنبئ بأن هذا الذي يجري له علاقة كبيره بالأشخاص الذين تواجدوا في هذا المكان والذين قُتلوا جميعهم في حوادث عجيبة تحدثت عنها الصحف والأخبار وكانت النتيجة أنها مجرد حادثه ومن الوارد أن تحدث، وأخر حادثه كانت للشرطيين الذين أنقذوا هذا الطفل وكشفوا عن الذي رأوه في المستشفى ومن ذاك اليوم لم تمر أي سيارة من أمام هذه المستشفى خوفًا وقلقًا من أن يجاورهم نفس المصير.
وجه العالِم رشدي عده أسئلة إلى خالد الذي أفصح عن أشياء عديده حدثت وما قاله هو أنه مستاء لمرور كل هذه السنوات وهو لم يرى أبيه أو أمه وأن رغبته  تزداد لمعرفة سبب موتهم، وأن لا يوجد أحد ليخبره بالحقيقة فهو في حالة من الاستياء الشديد.
لتحميل القصة بصيغة PDF تصفح للنهاية
أشرف رشدي على الأنتهاء من المقابلة وهو في أخر حديثه سأله عن سبب البقاء في هذا البيت وفي هذه الفوضى ولِما يصر على عدم الخروج فرد عليه خالد وفي إستغراب تام من العالِم رشدي:-
– وما أدراك إن كنت أتجه إلى الخارج أو أستمر بالجلوس في هذه الفوضى، أنت لم ترى شيئًا من الفوضى التي تحول بي، أنت تتحدث بشكل أسهل بكثير ولا تفقه شيئًا عن ما أمر به.
– لهذا أريدك أن تخبرني، ما بك؟
– لا أعلم، أشعر أنني حائر وكأني وُلد لكي أعيش بطريقة المفاجأة من الأحداث الغريبة، فالعمر يمر مع كل لحظة أتجه فيها إلى خارج هذا البيت مع مشاهدة الأفلام السينمائية الأكثر خيالاً وأحيانًا أصوات تزعجني وتشعرني بشيء من الماضي لم أراه ولكنه مزعج.. مزعج جداً.
لتحميل القصة بصيغة PDF تصفح للنهاية
تعجل رشدي في أشد حماس لسماع خالد وأخبره بأن يستمر في الحديث ويتحدث بكل تفصيل عن بعض الأحداث التي مر بها او أي شيء غريب صادفه، فقاطعه خالد بصوت عالٍ وأشتد عليه الغضب وأخبره بأنه لن يقول شيء وأعلن أن هذا الحديث أنتهى وأن يتفضل بالخروج.
حاول العالِم رشدي تهدئة خالد ويريد أقناعه بأنه يحاول مساعدته وأيضًا يحتاجه للكشف عن الغموض الذي أستمر في النصف قرن الأخيره، رد خالد قائلاً:-
– هذا الغموض أنتهى ولا أعلم لماذا تصرون على معرفة السبب، بعد أنتهاء الأزمة وبعد أن تحسن الوضع تبدأون في التفكير، وإذا لم تنتهي الأزمة ونصبح هالكين في باب من أبوب جهنم ويشتد الهلع بين الجميع فلن يكون للتفسير إفادة، التفسير حينها لن يكون له تفسير، على أية حال الأزمة انتهت لهذا توقف وأستمتع ببعض الوقت، عليك أن تخشى حدوث شيء كهذا مرة أخرى فلا تهدر وقتك في طرح الأسئلة.
بدون أي نقاش أخر توجه العالِم رشدي إلى خارج البيت وأخذ يتفحص في المكان مرة أخرى بدون أن يلاحظ خالد، ولاحظ غرف كثيره مغلقه والكثير من الأتربه على أبواب تلك الغرف، وعندما فتح باب المنزل وعلى وشك الخروج وكان خالد خلفه تمامًا توقف مرة واحده وسأله.. هذا منزل أبويك أليس كذالك؟.
رد عليه خالد:-
– نعم هو منزلي الذي لم أعيش فيه منذُ صغري ولم أكن كالطفل الطبيعي الذي يتواجد مع عائلته ويستمتع بوقته ولكني أرغب الأن في أن أجلس لوقت طويل هنا لعلى أن يأتيني شيء أكثر جمالاً ليخبرني بأن عائلتي تنتظرني في مكان ما أو أنني قريب منهم في أي وقت.
رحل العالِم رشدي وذهب ليجتمع بباقي العلماء، وصل إلى مكان الاجتماع وبدأ في الحديث مع العالِم ماجد:-
– ماجد لقد تحدثت مع خالد ولكن لا أعتقد أن حديثي سيفيد بشيء فلم أصل إلى أجابه واضحة.
– أخبرني بالتفصيل ماذا حدث.
– عندما توجهت إلى الداخل ورأيت منظر البيت الذي كان يعمه الفوضى لم أستطع معرفة مكان جلوسه أو نومه، البيت مضطرب وهو كذالك.
– بتحليلك له ماذا رأيت؟
– لقد كان منعزلاً ولكنه لم يستمتع بتلك العزله، لم يكن قادرًا على استغلال الهدوء والسكينه التي معظمنا يحلم بها، لقد كان مفتقدًا شيء ما ويرغب بوجوده، وأشياء تزعجه لا يعلم ما هيا، أشياء من الماضي لا يدركها ولكنها تؤذيه بشدة، هو الأن في أسوء حال.
عندما سمع العالِم ماجد حديث رشدي أخبره بأن كلام خالد هذا يدل على أن سبب توقف الأصوات الغريبة طول السنوات الماضية هو أن تلك اللعنة توقفت ولكنها تمسكت بخالد الطفل الذي تم إنقاذه من المستشفى والذي إذا لم ينقذه أحد حينها لكانت ستشهد الأرض نهاية عالم غريبة، وأكمل حديثه وهو يقول لرشدي يجب علينا أن ننتظر العالِم محمود، لقد ذهب إلى استكشاف المستشفى عن بُعد التي هي كانت مصدر تلك الأصوات ونتمنى أن يكون هناك أي شيء يساعدنا.
جلسوا يأخذون قسطًا من الراحة حتى وصول محمود وعندما وصل أخبرهم بعدم وجود أي دليل مفيد وعليهم أن يذهبوا ليستكشفوا المكان من الداخل، لم يكن لرشدي رغبة في الدخول بعدما سمع حديث خالد والعالِم ماجد، وكان يخشى أن يصيبه أي أذى، تحدث العالِم ماجد مع رشدي ومحمود واتفقوا على أن يذهبوا إلى المستشفى في الغد، بعدما أنتهى الجميع من عمله أتجهوا إلى منازلهم وهم لا يدركون شيئًا وأنهم على وشك أشعال الغضب في الأرض وتهديد العالم من جديد.
تهديد العالم يزداد كلما طالت المدة في العيش والرغبة في الاستكشاف لها دورها في تقديم فرص أكثر حظًا لإنهاء العالم والسبب في ذلك يأتي من الأشخاص الأكثر ذكائًا.
تحرك رشدي بسيارته وهو في طريقه إلى البيت ويشغل تفكيره ماذا سيحدث غداً ومازال يستجمع أفكاره وعندما يتذكر حديث خالد يرتعش جسده بلا سبب ويشعر بالسوء تجاه الأمر، ذهب إلى البيت وخلد إلى النوم والأحلام والكوابيس تصطحبه في تلك الليلة ولكنها ستمر.
الليل وجماله والسماء المضيئة بنور القمر وتنزينها النجوم وفي هذا الوقت بالتحديد والجميع نائم وكل شخص يعلم ماذا غداً ولماذا سيستيقظ في هذا العالم ليقدم شيء أو يقم بعمل ما الكل قادر على أن يستوعب المحطة القادمة في حياته ولكن الجانب الذي كان يعاني منه خالد هو أنه لم يكن يدري ما هي المحطة القادمة وما الذي يجب أن يفعله شخص كهذا متدهور الحال واللعنة التي أستمرت في مطاردته مُنذ صغره، كان ينظر بوجه تجاه القمر ويستمر في الحديث حتى طلوع الشمس وبداية اليوم الجديد وعند رؤية أول بشري وهو سعيد سرعان ما يقفل الشبابيك ويغلق الباب ويصنع ظلام داخل البيت وكأنه شاهد الأسوء من الظلام وهم البشر، أو أنه كان يخشى سعادة البشر وكأنه يرى في السعادة ظلامًا وفي الابتسامة شرًا.
وفي اليوم التالي والوقت يمر، ماجد ومحمود في انتظار رشدي للذهاب إلى المستشفى ولكنه تأخر كثيراً وهم لا يستطيعون الوصول إليه، ظلوا منتظرين لفترة حتى ظهر رشدي وحاله لم يكن جيداً، قدم التحية وجلس في سكوت وليس كعادته، أقترب ماجد إليه وبدأ في الحديث معه:-
– ماذا بك ولماذا تأخرت هكذا؟!
رد رشدي وهو يحرك رأسه ببطء ويلتفت لوجه ماجد وهو يقول:
– هل تظن أنها فكرة جيدة، أعني ذهابنا إلى المستشفى والدخول إلى هناك، أليس هذا خطيرًا؟!
-ماذا حدث لك، ولِما أنت متوتر هكذا، لا تقلق سيكون كل شيء على ما يرام.
لم يستطع رشدي التغلب على قلقه هذا، وتفكيره يزداد كلاما تذكر حديثه مع خالد ويتوتر كثيرًا بدون سبب، مخاوفه قد تقتله من فرط تفكيره فيها.

شاهد:تحميل رواية أرض زيكولا
فدائمًا إذا اصطحبت مختلًا عقليًا أو شخص غير عاقل فمستحيل أن تتوافق معه أو تتفقوا في شيء اما ذا اصطحبت شخصًا منتهي نفسيًا وغارق في خيالته الوهمية حينها ستنال بعضًا من هذا الاكتئاب وتشاركه هذا ولو لفتره  قليلة.
رشدي والذي بكثرة تفكيره واكتئابه الشديد فأصبح خائف من أن يصيبه نفس الشيء الذي حدث مع خالد، بعد لحظات توجهوا جميعًا بسيارة ماجد إلى المستشفى وعندما وصلوا بدأوا في الدخول ببطء شديد حتى لايتفاجئوا بحدوث أي شيء، وهم على وشك الدخول توقف رشدي ورأى أن عدد الأشجار التي بجانب المستشفى ازدادت، وتذكر الصحف التي نشرت صور للمكان ولم يرى سوى ثلاثة أشجار حينها والأن أمامه أربعة، الهلاوس تطارده، توقف قليلاً يستوعب حتى جهل الأمر وقام بالدخول وراء ماجد ومحمود، بدأوا يفتشون للوصول إلى دليل، تفرق الجميع لتفتيش كل مكان ولكن أغلب الأبواب كانت مغلقة، لم يرى أحد أي دليل حتى تجمعوا في النهاية أمام الغرفة ١٢ أهم غرفة والتي من المحتمل العثور فيها على اي شيء ملفت، وقف رشدي أمام الباب وأخبر محمود وماجد أن يذهبوا ويتفحصوا الغرفة وأنه خائف ولا يرغب في الدخول، دخل ماجد ومحمود بدون رشدي واستمروا في التفتيش، وبعد دقائق وجد ماجد شيئًا على الحائط تسبب في قلقه وعندما رأى محمود ذلك ركض نحو الباب سريعًا ليخبر رشدي ولكنه أختفى، رجع ثانية إلى الداخل وأخبر ماجد أن رشدي أختفى من أمام الغرفة وأنه بدأ يقلق من المكان فرد عليه ماجد قائلاً:-
– أعتقد بالفعل أن دخولنا لهذا المكان كان خطرًا وإننا تصرعنا في فعل ذلك، ولكن كيف كل ذلك له علاقة برشدي.
رد عليه محمود وهو يقول:-

– أتقصد ما علاقة هذه الصورة التي على الحائط برشدي وكيف وصلت إلى هنا أليس كذلك.
– هذه صورة له ولعائلته يا محمود، ولذلك أعتقد أن رشدي له علاقة بهذه المستشفى بشكلٍ ما.
ماجد لم يستطع فهم شيء والأمور أصبحت أكثر تعقيدًا فأخبر محمود بأن يذهبوا للبحث عن رشدي اولاً ومن ثم يتحدثون معه.
خرجوا سريعًا من الغرفة وذهبوا للبحث عن رشدي، أستمروا في الركض وهم قلقين عليه، وبعد دقائق ظهر رشدي في الدور الأخير من المستشفى، تقدم ماجد ومحمود بخطواتٍ بطيئه وجميع الغرف مغلقه والممر شبه مُظلم، أقترب ماجد أكثر وأكثر ووضع يده على كتف رشدي ففزع من تلامس ماجد له ومن ثم إلتف إليه وهو يُردد خائفًا:-
– أرجوك لم أرتكب شيء.. لم أقصد مضايقتك، أبتعد عني!.
– أهدئ يا رشدي إنه نحن، لا تقلق.
رد رشدي وهو على وشك الأنهيار:-
– رأيتُ خالد يجلس هنا بجانبي.. لم أستطع الوقوف.

لتحميل القصة بصيغة PDF تصفح للنهاية

قام ماجد ومحمود بتهدئة رشدي وكانت عيناه مفتوحان لأقصى درجة ويوجه نظره نحو أرجاء المستشفى والأبواب والأرضيات وكأنه يرى الرعب بعينيه وكان يتحرك بصعوبة، قام ماجد ومحمود بحمل رشدي وأسرعوا في الخروج ومن ثم ركبوا السيارة وأتجهوا إلى بيت ماجد الذي كان يعيش بمفرده.

وصلوا إلى بيت ماجد ووضعوا رشدي على  السرير ليستعيد وعيه ويرتاح قليلًا، أخبر ماجد رشدي بأن يرحل وينال بعض الراحة وأنهم سيتقابلون غدًا، ظل ماجد بجانب رشدي حتى يستيقظ، جلس بجانبه لأكثر من ثلاثة ساعات حتي أستيقظ رشدي وفزع بشكل هيستيري ويردد قائلًا :-

– لا أريد النوم، أتركني يا خالد أنا لم أرتكب شيئًا.

رد عليه ماجد وأخذ يتحدث معه فيما حدث له:

– أهدئ يا رشدي وأحكي لي بالتفصيل ماذا حدث؟!

– هل تتذكر هذا اليوم عندما ذهبت إلى خالد لأتحدث معه؟!، حينها لم أكن أتوقع حدوث شيئًا أسوء من لعنة الماضي، كنت أقم بواجبي وأنفذ التعليمات، ولكني كنت خاطئًا، عندما ترى نظراته وطريقة تكلمه فسترى أنه اللعنة نفسها ولكنه لم يظهر حتى الأن.

– أسمع يا رشدي، من الوارد أن كلامك مع خالد أثر عليك نتيجة حديثه المليء بالاكتئاب والوحدة والأحاديث الصعبة على الأنسان أن يسمعها بدون تأثر، وإذا كان هو الطفل الضحية الذي تم إنقاذه فكيف سيكون هو اللعنة، يجب أن نفهم كل شيء.

رشدي وهز يزداد إرتعاشًا ويردد:-

– اللعنة ستصيبنا جميعًا، لقد رأيت كل شيء.

أخذ يفكر ماجد كثيرًا حتى قرر أن يذهب إلى خالد وليفهم منه ما الذي يحدث مع رشدي، ترك رشدي نائم واتجه إلى بيت خالد وعندما وصل وبدأ يطرق الباب رأى ورقة مكتوبًا عليها..

” أرحل الأن وأتصل بي على هذا الرقم وسأشرح لكَ”

 لتحميل القصة بصيغة PDF تصفح للنهاية

أتصل ماجد وأجابه خالد بعصبية شديده:-
– لا تأتي إلي مجددًا، هل تفهمني؟
بدأ ماجد في سؤاله أنه لماذا لا يريده أن يأتي، ويجب أن يفهم منه علاقته بالأشياء الغريبة التي تحدث مع رشدي فهو الأن معذبًا ومنهارًا من الأشياء التي يراها بسببه.
أجابه خالد:-
– أرد أن أوقفه عن فعلته، حاولت أن أجعله بعيدًا ولكنه كان غبيًا وأنتم أيضًا.. جميعكم أغبياء، جئتوا إلي لتتحدثوا، أردوا أن تكونوا الأكثر شهرة، أن تكونوا أول من فسر ظاهرة الأصوات المجهولة، وجهلتم الحقيقة التي يمكنكم أن تروا فيها العالم بشكل أفضل وبدون خسائر، حققتم العديد من الإنجازات في فترة قليلة تسببت في خسائر عديده، وأولها أنكم على وشك أن تفقدوا شخصًا عزيزًا عليكم وهو العالم رشدي، لا تتفاجئ توجد خسائر أكثر بشاعة تسببتم بها، ذهابكم إلى المستشفى والنظر في الغرفة ١٢، هذا سيسبب كارثة، أقلها هو قتلك انت وعائلتك وكل الذي شارك في هذا بشكل مباشر أو غير مباشر و..
قاطعه ماجد وبصوت عالي قائلاً:-
– أنت مختلًا يا خالد، وكيف سأصدق هذا؟
– لا أريدك أن تصدق، ولكني أتعذب هنا بينما العالم يعيش في مأمن من اصطدام النيازك أو هجوم من كائنات فضائية، الأمر الذي كان خيالًا وأقترب من أن يكون حقيقة، لذالك إنني جالس هنا عند خروجي سأحترق، وفي الداخل سأكون الأمان للعالم، الأمان من المصير المخيف الذي أنت تسعى لعودته وتأمل وراء النهاية.

بعد هذا الحديث رحل ماجد وهو يفكر في كلام خالد ويردد في عقله:-
” هل من الممكن أن خالد أنقذ البشرية ولم يسعى لأي شيء تجاه إنهاء العالم؟!، أعتقد حقًا أنه لم يقصد الأذى لرشدي، خالد هو أكثرنا عطفًا، ظلمه القدر منذ ولادته، إنه ينعزل ليس لعشقه لتلك العزلة بل لإنقاذ الجميع، هو يعلم أن نهاية العالم تتوقف عليه، إذا إتجه إلى الخارج وقدم التحيه على الجميع ورحب بالعلاقات فسوف يتسبب بحدوث الأسوء من العلاقات البشرية وهي إنهاء البشرية، البعض سيأمل بحدوث ذلك والبعض سيرتعش خوفًا ويحاول الهروب والدفاع عن نفسه ولكن القدر هو الحاكم، لماذا لم يخبرنا خالد بكل شيء؟!، هل سيحدث شيء إذا أخبرنا؟!، لا أفهم ما الذي حدث لرشدي!، من الممكن أن خالد لم يريد مقابلة أحد، إنه يتجنب الجميع، بالتأكيد هو كذلك فهو لم يرغب في دخولي وجعلني أتحدث إليه في الهاتف، رشدي ذهب وتحدث إليه لذلك حدث له كل هذا، خالد أختار أن ينعزل غصبًا عن إرادته لكي لا يتأذى العالم بوجوده، توجد عدة أسئلة يجب أن أعرفها من خالد ولكن ليس الأن، يجب أن أطمئن على رشدي اولًا وأتحدث مع محمود لتحديد الخطوة القادمة”

توجه ماجد إلى منزله وغير ملابسه لكي يستريح من كثرة التفكير ولكنه لم يرى رشدي في أنحاء المكان، اتصل به علي الهاتف وعندما أستجاب تحدث ماجد إليه بنبرة تملؤها القلق واخبره بأين هو ذهب، وهل هو بخير ام لا، اجابه رشدي أنه تحسن وأصبح في وعيه وفي طريقة ليرى عائلته فهو أشتاق لرؤيتهم، أقفل ماجد الهاتف وخلد إلى النوم.
الساعة السابعة صباحًا أستيقظ ماجد على صوت مزعج من أمام المنزل، رجل يقف أمام الباب ويستمر في الصيحات ويردد قائلًا:-
“ستزال نائمًا هكذا أستيقظ لتنقذ العالم، من غيرك سيفعل هذا”
ماجد لم يستوعب حديث هذا الرجل حتى فتح الباب ونظر بالخارج ورأى رجل عجوز وبسيط يقف أمام الباب ثم نظر هذا الرجل إلى عينيه وتعمق فيهما وهو يقول “هل أنت العالِم ماجد؟!”
أجابه العالِم ماجد ومن ثم قام الرجل العجوز بأعطائه ورقة وأخبره بأن يقرأ ما فيها جيدًا.
بدأ ماجد في قراءة الورقة:-
” أنظر إلى الاخفاقات عبر السنين وإلى الإرتكابات المجهولة، المكوث على أريكة منزلك امام التلفاز وتستمتع بمشاهدة أفلام الغموض وأفلام عن نهاية العالم بمختلف الأشكال، العرض التالي سيفسر لك سبب نهاية العالم.. أنتهى العالم.. وأنتهى الفيلم، لذلك انت مطمئنًا ولست مضطرًا للفزع، الفيلم أنتهى وانت الأن ستخلد إلى النوم وانت في مكانك وتستيقظ غدًا لتشاهد فيلم آخر عن نهاية أخرى.
هذا كان حالي في يوم من الأيام، لم أتوقع ان يقلب كل شيء ونحن ننفذ نهاية العالم بأيدينا،
نتشارك جميعنا النهاية بدون قصد ارتكابها ولكن لا ندري أننا قمنا بجهدٍ عالٍ في تقديم الإمدادات للطبيعة، فهي الأن تجرأت على ذلك، يجب أن تنقذ العالم قبل فوات الآوان، من غيرك سيفعل هذا.”

تفحص ماجد الورقة جيدًا حتى علم أن هذا الكلام من خالد وأنه أراد إخباره بنهاية العالم والتي هي اقتربت، لم يتردد وقام بالاتصال بمحمود وأخبره بأن يأتي إلى منزله وأن يتصل برشدي ويأتي معه.
مرت ساعتان وماجد ينتظر قدوم محمود ورشدي، إنهما تأخرا كثيرًا وماجد يزداد قلقًا، محمود يطرق الباب لعدة مرات متتالية وينده بأعلى صوته على ماجد، فتح ماجد الباب ولم يرى رشدي معه، أخبره محمود بأن يفتح التلفاز ويشاهد الأخبار.
اشتعلت نشرات الأخبار والجميع يتحدث عن مقتل ثلاثة أبناء وأمهم بطريقة بشعه والشرطة تتحقق من الأمر، محمود وبنبرة تأثر اخبر ماجد أن عائلة رشدي أصبحوا موتى الأن، ماجد بداخله منهار من الأحداث التي كثرت وأن جميعهم في خطر الأن، وحتى الساعة السابعة مساءًا ظهر رشدي وطرق باب المنزل ليفتح ماجد ومن ثم يحتضن رشدي باكيًا ويتحدث إليه قائلًا:-
– سامحني يا رشدي، انا من تسبب في هذا، كان يجب أن أستمع إليكَ وألا نذهب إلى  المستشفى، أعلم أن الأسف لن يجدي نفعًا، ولكني سأبذل قصارى جهدي للانتقام من الشخص الذي أرتكب هذا.
رد رشدي بحسره:-
– ماذا ستفعل يا ماجد، ستنتقم من الطبيعة؟!، إنني كنت مع الشرطي الذي حقق في الواقعة، واخبرني بأن هذا الذي حدث لم يكن مدبرًا، لا يوجد أحد أرتكب هذا، وليس أنا، اولادي وزوجتي جالسين أمام التلفاز ولم يستيقظوا، تم تشريحهم والجسد كان خالي من الأعضاء، لا يوجد قلب ولا عقل ولا أي شيء، من سيرتكب هذا يا ماجد أخبرني، جميعنا تسبب في هذا، كل ما أستطيع فعله الأن هو أن أموت حتى تقام العدالة فكيف سأعيش.
– ارجوك تماسك يا رشدي، اعلم ان ذهابك لخالد كان خاطئًا ولكننا لم نكن ندري حدوث شيء كهذا، يمكنك ان تنتقم لعائلتك وهذا بأن تتماسك قليلًا للقضاء على هذه اللعنة، سأخبرك شيئًا ولكن عليك بان تستوعب هذا جيدًا، من أختلط بخالد أصبح ملعونًا وبمجرد اختلاطك بعائلتك فأصبحوا موتى، وأنت الأن اختلط بي وبمحمود لذلك جميعنا ملعونون، ولا يجب أن نختلط بأحد حتى لا نتسبب في موت المزيد، إذا أنهينا تلك اللعنة سيتحرر الجميع.

سيطر ماجد على الوضع حتى هدأ رشدي وبدأوا يخططون ليروا ما الخطوة القادمة، تحدث ماجد إلى رشدي واخبره بألا يتحرك من مكانه وانه سيذهب هو ومحمود إلى خالد ويتحدثون، رشدي عاند في البداية مع ماجد فهو كان يعتقد ان خالد له يد في هذا ويريد الأنتقام منه ولكنه لا يدري أن خالد هو البرئ الوحيد بينهم، قام ماجد بإقناعه ومن ثم ركب السيارة وفي طريقة إلى منزل خالد.
الشمس على وشك الغروب، ماجد ومحمود جالسين داخل السيارة وماجد يستمر في القيادة، محمود بدأ في الحديث وهو يسأل ماجد قائلًا:-
– هل تظن أن وجودنا خاطئًا منذ البداية؟!، أعني أذا فكرت في الأمر ستجد أن الأنسان ليس له الأحقية بأن يتدخل في شئون الطبيعة، القدر لامفر منه، لِما سنرهق أنفسنا في القضاء على شيء لا نعرفه، الفكرة أصبحت ممله، ونحن كنا نحاول استكشاف تلك الظاهرة ومن ثم ينقلب كل شيء حتى نتحول إلى علماء يحاولون إنقاذ العالم من خطر اللعنة، هي لم تكن لعنة، هي ظاهرة ونحن مستكشفون، أنا لن أخاطر بحياتي يا ماجد.
– معك حق يا محمود نحن علماء ولسنا أبطال، ولكني وضعت امامي العديد من الاحتمالات ومنها أن هذا ما حدث في الماضي هو تمهيدًا لنهاية العالم، فلتجعنا ننفذ إرادة القدر، نحن الأن سننقذ العالم وسنكون بخير.

ماجد يقوي من عزيمة محمود وأن كل شيء سيمر، وهو لا يعتقد ان الأمر بهذه السهولة، وصلوا إلى منزل خالد وطرقوا الباب حتى فتح خالد ثم قفل الباب سريعًا.
خالد على حاله والغريب أنه مازال حي، ماجد أراد أن يعرف مضمون الرسالة التي أخذها من الرجل العجوز وماذا عليه ان يفعل لإنقاذ العالم، طلب منه أن يرجع بخياله ويركز في الأشياء التي يراها، عليه ان يتذكر الماضي، يتذكر كل ما حدث منذ نصف قرن، الأمل الأخير هو أن يتكلم خالد،  أنتظر ماجد حتى تحدث خالد واخبره بأنه يرى أشياء وهميه، أشياء عديدة، منها قد حدثت ومنها قد تحدث، قاطعه محمود واخبره بأن يخبرهم بكل شيء فرد عليه خالد قائلًا:-
– في الماضي وأنا طفل، الشرطيين الذين انقذوني، لم أكن أدري أن هذا المستشفى ملعونة بهذا الشكل، لم أرى أمي أو أبي، يمكنني رؤية منزل صغير بجانب المستشفى، لا أعلم ما هو ولكن الشخص الذي بداخل هذا المنزل، هو الوحيد الناجي من اللعنة، أعذروني لست قادر على قول المزيد.
تحدث ماجد قائلًا:-
– أنت شخصًا جيد يا خالد ولكنك ظُلمت في هذا العالم، أخبرني فقط عن اي تفاصيل عنكَ، صدقني سأحاول وقف اللعنة وأحررك.
رد عليه خالد ضاحكًا وبشكل ساخر:-
– وكيف ستفعل هذا، انت تريد إنقاذ العالم وليس إنقاذي، إنني ملعون ولست صالح أن اكون عاديًا كباقي الخلق، حتى لا أستطيع أن اموت، حاولت مرارًا ان أقتل نفسي ولكني لا أموت، أفشل مع كل محاولة هذا ليس لأني فاشل في الانتحار بل الطبيعة تعشق وجودي أو اللعنة تتحقق بوجوديوف والهروب من بشاعة منظره، تجمدت وأنا جالس لكنه لم يقم بإيذائي، أرادني أن أنظر إلى عينيه رقبتي تلتوح نحوه، إنه مُخيف.!
– لا يوجد أحد يا رشدي، لا تقلق نحن معك.

 لتحميل القصة بصيغة PDF تصفح للنهاية

قام ماجد ومحمود بتهدئة رشدي وكانت عيناه مفتوحان لأقصى درجة ويوجه نظره نحو أرجاء المستشفى والأبواب والأرضيات وكأنه يرى الرعب بعينيه وكان يتحرك بصعوبة، قام ماجد ومحمود بحمل رشدي وأسرعوا في الخروج ومن ثم ركبوا السيارة وأتجهوا إلى بيت ماجد الذي كان يعيش بمفرده.

وصلوا إلى بيت ماجد ووضعوا رشدي على  السرير ليستعيد وعيه ويرتاح قليلًا، أخبر ماجد رشدي بأن يرحل وينال بعض الراحة وأنهم سيتقابلون غدًا، ظل ماجد بجانب رشدي حتى يستيقظ، جلس بجانبه لأكثر من ثلاثة ساعات حتي أستيقظ رشدي وفزع بشكل هيستيري ويردد قائلًا :-

– لا أريد النوم، أتركني يا خالد أنا لم أرتكب شيئًا.

رد عليه ماجد وأخذ يتحدث معه فيما حدث له:

– أهدئ يا رشدي وأحكي لي بالتفصيل ماذا حدث؟!

– هل تتذكر هذا اليوم عندما ذهبت إلى خالد لأتحدث معه؟!، حينها لم أكن أتوقع حدوث شيئًا أسوء من لعنة الماضي، كنت أقم بواجبي وأنفذ التعليمات، ولكني كنت خاطئًا، عندما ترى نظراته وطريقة تكلمه فسترى أنه اللعنة نفسها ولكنه لم يظهر حتى الأن.

– أسمع يا رشدي، من الوارد أن كلامك مع خالد أثر عليك نتيجة حديثه المليء بالاكتئاب والوحدة والأحاديث الصعبة على الأنسان أن يسمعها بدون تأثر، وإذا كان هو الطفل الضحية الذي تم إنقاذه فكيف سيكون هو اللعنة، يجب أن نفهم كل شيء.

رشدي وهز يزداد إرتعاشًا ويردد:-

– اللعنة ستصيبنا جميعًا، لقد رأيت كل شيء.

 

أخذ يفكر ماجد كثيرًا حتى قرر أن يذهب إلى خالد وليفهم منه ما الذي يحدث مع رشدي، ترك رشدي نائم واتجه إلى بيت خالد وعندما وصل وبدأ يطرق الباب رأى ورقة مكتوبًا عليها..

” أرحل الأن وأتصل بي على هذا الرقم وسأشرح لكَ”

 لتحميل القصة بصيغة PDF تصفح للنهاية

أتصل ماجد وأجابه خالد بعصبية شديده:-

– لا تأتي إلي مجددًا، هل تفهمني؟

بدأ ماجد في سؤاله أنه لماذا لا يريده أن يأتي، ويجب أن يفهم منه علاقته بالأشياء الغريبة التي تحدث مع رشدي فهو الأن معذبًا ومنهارًا من الأشياء التي يراها بسببه.

أجابه خالد:-

– أرد أن أوقفه عن فعلته، حاولت أن أجعله بعيدًا ولكنه كان غبيًا وأنتم أيضًا.. جميعكم أغبياء، جئتوا إلي لتتحدثوا، أردوا أن تكونوا الأكثر شهرة، أن تكونوا أول من فسر ظاهرة الأصوات المجهولة، وجهلتم الحقيقة التي يمكنكم أن تروا فيها العالم بشكل أفضل وبدون خسائر، حققتم العديد من الإنجازات في فترة قليلة تسببت في خسائر عديده، وأولها أنكم على وشك أن تفقدوا شخصًا عزيزًا عليكم وهو العالم رشدي، لا تتفاجئ توجد خسائر أكثر بشاعة تسببتم بها، ذهابكم إلى المستشفى والنظر في الغرفة ١٢، هذا سيسبب كارثة، أقلها هو قتلك انت وعائلتك وكل الذي شارك في هذا بشكل مباشر أو غير مباشر و..

قاطعه ماجد وبصوت عالي قائلاً:-

– أنت مختلًا يا خالد، وكيف سأصدق هذا؟

– لا أريدك أن تصدق، ولكني أتعذب هنا بينما العالم يعيش في مأمن من اصطدام النيازك أو هجوم من كائنات فضائية، الأمر الذي كان خيالًا وأقترب من أن يكون حقيقة، لذالك إنني جالس هنا عند خروجي سأحترق، وفي الداخل سأكون الأمان للعالم، الأمان من المصير المخيف الذي أنت تسعى لعودته وتأمل وراء النهاية.

بعد هذا الحديث رحل ماجد وهو يفكر في كلام خالد ويردد في عقله:-

” هل من الممكن أن خالد أنقذ البشرية ولم يسعى لأي شيء تجاه إنهاء العالم؟!، أعتقد حقًا أنه لم يقصد الأذى لرشدي، خالد هو أكثرنا عطفًا، ظلمه القدر منذ ولادته، إنه ينعزل ليس لعشقه لتلك العزلة بل لإنقاذ الجميع، هو يعلم أن نهاية العالم تتوقف عليه، إذا إتجه إلى الخارج وقدم التحيه على الجميع ورحب بالعلاقات فسوف يتسبب بحدوث الأسوء من العلاقات البشرية وهي إنهاء البشرية، البعض سيأمل بحدوث ذلك والبعض سيرتعش خوفًا ويحاول الهروب والدفاع عن نفسه ولكن القدر هو الحاكم، لماذا لم يخبرنا خالد بكل شيء؟!، هل سيحدث شيء إذا أخبرنا؟!، لا أفهم ما الذي حدث لرشدي!، من الممكن أن خالد لم يريد مقابلة أحد، إنه يتجنب الجميع، بالتأكيد هو كذلك فهو لم يرغب في دخولي وجعلني أتحدث إليه في الهاتف، رشدي ذهب وتحدث إليه لذلك حدث له كل هذا، خالد أختار أن ينعزل غصبًا عن إرادته لكي لا يتأذى العالم بوجوده، توجد عدة أسئلة يجب أن أعرفها من خالد ولكن ليس الأن، يجب أن أطمئن على رشدي اولًا وأتحدث مع محمود لتحديد الخطوة القادمة”

توجه ماجد إلى منزله وغير ملابسه لكي يستريح من كثرة التفكير ولكنه لم يرى رشدي في أنحاء المكان، اتصل به علي الهاتف وعندما أستجاب تحدث ماجد إليه بنبرة تملؤها القلق واخبره بأين هو ذهب، وهل هو بخير ام لا، اجابه رشدي أنه تحسن وأصبح في وعيه وفي طريقة ليرى عائلته فهو أشتاق لرؤيتهم، أقفل ماجد الهاتف وخلد إلى النوم.

الساعة السابعة صباحًا أستيقظ ماجد على صوت مزعج من أمام المنزل، رجل يقف أمام الباب ويستمر في الصيحات ويردد قائلًا:-

“ستزال نائمًا هكذا أستيقظ لتنقذ العالم، من غيرك سيفعل هذا”

ماجد لم يستوعب حديث هذا الرجل حتى فتح الباب ونظر بالخارج ورأى رجل عجوز وبسيط يقف أمام الباب ثم نظر هذا الرجل إلى عينيه وتعمق فيهما وهو يقول “هل أنت العالِم ماجد؟!”

أجابه العالِم ماجد ومن ثم قام الرجل العجوز بأعطائه ورقة وأخبره بأن يقرأ ما فيها جيدًا.

بدأ ماجد في قراءة الورقة:-

” أنظر إلى الاخفاقات عبر السنين وإلى الإرتكابات المجهولة، المكوث على أريكة منزلك امام التلفاز وتستمتع بمشاهدة أفلام الغموض وأفلام عن نهاية العالم بمختلف الأشكال، العرض التالي سيفسر لك سبب نهاية العالم.. أنتهى العالم.. وأنتهى الفيلم، لذلك انت مطمئنًا ولست مضطرًا للفزع، الفيلم أنتهى وانت الأن ستخلد إلى النوم وانت في مكانك وتستيقظ غدًا لتشاهد فيلم آخر عن نهاية أخرى.

هذا كان حالي في يوم من الأيام، لم أتوقع ان يقلب كل شيء ونحن ننفذ نهاية العالم بأيدينا،

نتشارك جميعنا النهاية بدون قصد ارتكابها ولكن لا ندري أننا قمنا بجهدٍ عالٍ في تقديم الإمدادات للطبيعة، فهي الأن تجرأت على ذلك، يجب أن تنقذ العالم قبل فوات الآوان، من غيرك سيفعل هذا.”

تفحص ماجد الورقة جيدًا حتى علم أن هذا الكلام من خالد وأنه أراد إخباره بنهاية العالم والتي هي اقتربت، لم يتردد وقام بالاتصال بمحمود وأخبره بأن يأتي إلى منزله وأن يتصل برشدي ويأتي معه.

مرت ساعتان وماجد ينتظر قدوم محمود ورشدي، إنهما تأخرا كثيرًا وماجد يزداد قلقًا، محمود يطرق الباب لعدة مرات متتالية وينده بأعلى صوته على ماجد، فتح ماجد الباب ولم يرى رشدي معه، أخبره محمود بأن يفتح التلفاز ويشاهد الأخبار.

اشتعلت نشرات الأخبار والجميع يتحدث عن مقتل ثلاثة أبناء وأمهم بطريقة بشعه والشرطة تتحقق من الأمر، محمود وبنبرة تأثر اخبر ماجد أن عائلة رشدي أصبحوا موتى الأن، ماجد بداخله منهار من الأحداث التي كثرت وأن جميعهم في خطر الأن، وحتى الساعة السابعة مساءًا ظهر رشدي وطرق باب المنزل ليفتح ماجد ومن ثم يحتضن رشدي باكيًا ويتحدث إليه قائلًا:-

– سامحني يا رشدي، انا من تسبب في هذا، كان يجب أن أستمع إليكَ وألا نذهب إلى  المستشفى، أعلم أن الأسف لن يجدي نفعًا، ولكني سأبذل قصارى جهدي للانتقام من الشخص الذي أرتكب هذا.

رد رشدي بحسره:-

– ماذا ستفعل يا ماجد، ستنتقم من الطبيعة؟!، إنني كنت مع الشرطي الذي حقق في الواقعة، واخبرني بأن هذا الذي حدث لم يكن مدبرًا، لا يوجد أحد أرتكب هذا، وليس أنا، اولادي وزوجتي جالسين أمام التلفاز ولم يستيقظوا، تم تشريحهم والجسد كان خالي من الأعضاء، لا يوجد قلب ولا عقل ولا أي شيء، من سيرتكب هذا يا ماجد أخبرني، جميعنا تسبب في هذا، كل ما أستطيع فعله الأن هو أن أموت حتى تقام العدالة فكيف سأعيش.

– ارجوك تماسك يا رشدي، اعلم ان ذهابك لخالد كان خاطئًا ولكننا لم نكن ندري حدوث شيء كهذا، يمكنك ان تنتقم لعائلتك وهذا بأن تتماسك قليلًا للقضاء على هذه اللعنة، سأخبرك شيئًا ولكن عليك بان تستوعب هذا جيدًا، من أختلط بخالد أصبح ملعونًا وبمجرد اختلاطك بعائلتك فأصبحوا موتى، وأنت الأن اختلط بي وبمحمود لذلك جميعنا ملعونون، ولا يجب أن نختلط بأحد حتى لا نتسبب في موت المزيد، إذا أنهينا تلك اللعنة سيتحرر الجميع.

سيطر ماجد على الوضع حتى هدأ رشدي وبدأوا يخططون ليروا ما الخطوة القادمة، تحدث ماجد إلى رشدي واخبره بألا يتحرك من مكانه وانه سيذهب هو ومحمود إلى خالد ويتحدثون، رشدي عاند في البداية مع ماجد فهو كان يعتقد ان خالد له يد في هذا ويريد الأنتقام منه ولكنه لا يدري أن خالد هو البرئ الوحيد بينهم، قام ماجد بإقناعه ومن ثم ركب السيارة وفي طريقة إلى منزل خالد.

الشمس على وشك الغروب، ماجد ومحمود جالسين داخل السيارة وماجد يستمر في القيادة، محمود بدأ في الحديث وهو يسأل ماجد قائلًا:-

– هل تظن أن وجودنا خاطئًا منذ البداية؟!، أعني أذا فكرت في الأمر ستجد أن الأنسان ليس له الأحقية بأن يتدخل في شئون الطبيعة، القدر لامفر منه، لِما سنرهق أنفسنا في القضاء على شيء لا نعرفه، الفكرة أصبحت ممله، ونحن كنا نحاول استكشاف تلك الظاهرة ومن ثم ينقلب كل شيء حتى نتحول إلى علماء يحاولون إنقاذ العالم من خطر اللعنة، هي لم تكن لعنة، هي ظاهرة ونحن مستكشفون، أنا لن أخاطر بحياتي يا ماجد.

– معك حق يا محمود نحن علماء ولسنا أبطال، ولكني وضعت امامي العديد من الاحتمالات ومنها أن هذا ما حدث في الماضي هو تمهيدًا لنهاية العالم، فلتجعنا ننفذ إرادة القدر، نحن الأن سننقذ العالم وسنكون بخير.

 

ماجد يقوي من عزيمة محمود وأن كل شيء سيمر، وهو لا يعتقد ان الأمر بهذه السهولة، وصلوا إلى منزل خالد وطرقوا الباب حتى فتح خالد ثم قفل الباب سريعًا.

خالد على حاله والغريب أنه مازال حي، ماجد أراد أن يعرف مضمون الرسالة التي أخذها من الرجل العجوز وماذا عليه ان يفعل لإنقاذ العالم، طلب منه أن يرجع بخياله ويركز في الأشياء التي يراها، عليه ان يتذكر الماضي، يتذكر كل ما حدث منذ نصف قرن، الأمل الأخير هو أن يتكلم خالد،  أنتظر ماجد حتى تحدث خالد واخبره بأنه يرى أشياء وهميه، أشياء عديدة، منها قد حدثت ومنها قد تحدث، قاطعه محمود واخبره بأن يخبرهم بكل شيء فرد عليه خالد قائلًا:-

– في الماضي وأنا طفل، الشرطيين الذين انقذوني، لم أكن أدري أن هذا المستشفى ملعونة بهذا الشكل، لم أرى أمي أو أبي، يمكنني رؤية منزل صغير بجانب المستشفى، لا أعلم ما هو ولكن الشخص الذي بداخل هذا المنزل، هو الوحيد الناجي من اللعنة، أعذروني لست قادر على قول المزيد.

تحدث ماجد قائلًا:-

– أنت شخصًا جيد يا خالد ولكنك ظُلمت في هذا العالم، أخبرني فقط عن اي تفاصيل عنكَ، صدقني سأحاول وقف اللعنة وأحررك.

رد عليه خالد ضاحكًا وبشكل ساخر:-

– وكيف ستفعل هذا، انت تريد إنقاذ العالم وليس إنقاذي، إنني ملعون ولست صالح أن اكون عاديًا كباقي الخلق، حتى لا أستطيع أن اموت، حاولت مرارًا ان أقتل نفسي ولكني لا أموت، أفشل مع كل محاولة هذا ليس لأني فاشل في الانتحار بل الطبيعة تعشق وجودي أو اللعنة تتحقق بوجودي.

 لتحميل القصة بصيغة PDF تصفح للنهاية

ليستطيع المرء مقاومة العالم فهو يحتاج إلى أن يتصالح مع الجميع وهو ألا يشكي حتى يمل العالم من مقاربته فأما يتركه وشأنه أو يزيده همًا حتى يقضي عليه، والصراحة هي أن مقاومة العالم مستحيلة وأنت حي، إذًا الموت في حد ذاته مقاومة.
فشل خالد في الموت مرارًا  مما جعل ماجد يزداد شفقة عليه، لا تستطيع حتى الموت فكيف ستقاوم العالم، هكذا ردد ماجد في عقله   قبل الرحيل، محمود تحدث إلى ماجد وهم في الطريق إلى المنزل واخبره بأن ينسوا أمر اللعنة وخالد وكل ما حدث وان يتجاهلوا كل شيء، تعصب ماجد وهو يقول:-
“وكيف نتجاهل الأمر ونحن نعلم أن النهاية ستحدث أو أنني الأن المنقذ الوحيد للعالم”
توقف محمود عن الكلام للحظات ثم أخذ نفس عميق واخبر ماجد بأن الجميع موتى على أية حال وانه لا يريد أن يموت الأن، ويرغب في رؤية والده، ولكن تذكر محمود بعدها أنه لا يستطيع رؤيته حتى تنتهي اللعنة.
جميعهم في منزل ماجد بعد أن أخبرهم بالجلوس سويًا وعدم ذهاب أحدًا منهم إلى منزله.
مر أسبوع وهم جالسين بأماكنهم وبعدها أتجه ماجد إلى منزل خالد وتحدث معه ثانية، اخبره خالد بأن يذهبوا جميعهم إلى المستشفى وأن يصلحوا ما ارتكبوه، ولم يقدر على التفسير، هل لأن اللعنة تسيطر على تصرفاته، هو أول شخص يريد أن تنتهي اللعنة ليتحرر من سجنه ولكن لا يستطيع التعبير أو التحدث بما يعرفه.
المتاهات مستمرة وماجد تائه، عليه أن يذهب إلى المستشفى وأن يستكشفها مرة أخرى، هو الأن يشعر بثقل العالم فوق رأسه، إنقاذ العالم او تركه إلى خط سيره وإلى مبتغاه، على الأقل أنك تعلم سبب نهايتك ولو كانت غريبة، فأنت تعلم أنها لعنة وأصابت الأرض، أما الذي لا تدركه هو كيف ستقضي علينا اللعنة، هل في النهاية سنحترق جميعنا من براكين هائجة أم سنشعر باهتزازات أرضية تدمرنا جميعًا او سينتشر وباء يقتلنا بلا رحمة، التوقع مخيف.
وصل ماجد إلى المستشفى بمفرده ودخل من البوابة ليستكشف المكان مرة أخرى، لم يلاحظ ماجد أي شيء غريب وفي خطواته كان يترقب تفاصيل المكان، الجدران والأسقف وكل شيء، مرت ساعتان وهو بداخل المستشفى، لاحظ ماجد كلمات مدونة على الجدار المتواجد أمام الغرفة ١٢ فأقترب نحو الجدار ثم بدأ في القراءة:-
” لا أدري أين أنا وماذا أعمل هنا، ولكن هناك أشياء ليست واقعيه تحدث، إنني اعمل هنا منذ سنوات، أعتقد بأن مهمتي هي معالجة المرضى، تشاءمت من العاملين، لا يتحدثون كثيرًا، يعملون في هدوء، ولا يبتسمون وأكثر شيء أثار اشمئزازي هو أن البعض يضحك كثيرًا عند دخوله لإجراء عملية ولاده في الغرفة ١٢، شعرت بالخوف قليلًا وعندما اقتربت من الغرفة لأستكشف ما يحدث بداخلها، رأيت عملية ولاده ليس إلا، الطفل في يد الدكتور وفي اليد الأخرى رأس والدته، لم أستطع تمالك نفسي، جميعهم قتلى، أنهم يستخدمون الأطفال لغرض معين، راقبت الغرفة ١٢ لشهور وحاولت معرفة ماذا يفعلون بهم ولكن لم أستطع، المؤكد هو أنهم ليسوا مجرد قتلى بل هم شياطين هبطت إلى الأرض وظهرت لنا بشكل آخر لتقضي على بعضنا والبعض الأخر سينتظر حتى يأتي قدره، لم يقوموا بإيذائي وهذا غريب وكأنهم لا يروني، انني محظوظ حقًا لكوني من الطيبون في الأرض، لمن سيقرأ هذا أرجوك يا صديقي لا تصبح مثل بقية البشر، فلتكن جميلًا وطيبًا مهما تأذيت، هناك لعنة قادمة ستصيب الأسوء فينا والأقل سوءًا سيكون أقل تعرضًا للعنة، أنا الأن سأهرب من هذا المكان، وإن كان في يدي إنقاذ الموقف فسأفعل ذلك، وإن لم أستطع فلا بأس سأكون سعيدًا؛ لأن اللعنة ستنتقم لي من البشر.”

خرج ماجد من المستشفى وذلك بعد أن أتصل به محمود ليطمئن عليه ثم عاد ماجد إلى المنزل وجلس مع محمود ورشدي، أخبرهم بأن ارتكاب المعاصي والأفعال السيئة هي التي أدت إلى حدوث كل هذا، يجب أن يتواجهوا جميعهم ومن أرتكب ذنبًا أو أي شيء قاسي فيجب ان يتحدث، تحدث محمود بشكل متوتر:-
– لن يفيد حديثنا يا ماجد، سنضيع الوقت بدون أن نفعل أي شيء.
رد ماجد بإصرار شديد:-
– نحن بدأنا في هذا الأمر سويًا ويجب أن نعلم جميعنا الأن من المذنب ومن الأقل ذنبًا، نحن على وشك النهاية، يجب أن نتصارح.
واصل ماجد الحديث قائلًا:-
– سأكون أنا أول من يتحدث، في صغري كنت طفل سيء للغاية وأعترف بهذا، أتنمر على أصدقائي وأقوم بالكثير من الشغب، عندما كبرت تغير حالي قليلًا ولكن قلبي كان مليء بالحقد، قمت بإيذاء البعض وذلك لتحقيق مصلحتي في العمل، إنني بدأت أستوعب أن ما فعلته هذا كان خاطئًا، أدركت كل شيء في وقت متأخر، أتمنى أن يسامحني الجميع.
ثم تحدث رشدي قائلًا:-
– اللعنة أصابت عائلتي وماتوا جميعًا، الانتقام يأتي بشكل مضاعف، لقد تسببت في قتل أب وأم وأبنهما، ركبت سيارتي وكنت في أشد استعجال، صدمتهم وفريت هاربًا، رأيتهم واقعين على الأرض وتغرقهم الدماء، انا أكثركم ذنبًا الأن.
رد ماجد ساخرًا:-
– هل رأيتم الأن لماذا نستحق كل هذا، جميعنا مُذنبون والعقاب مستمر، وعلى أية حال سنحاول إنهاء اللعنة الأن وبكل أرواحنا.
وأكمل قائلًا:-
– هل تريد قول شيء يا محمود؟!، لايهم من الواضح أنك لا ترغب في الحديث، هيا الأن نخلد إلى النوم ونستيقظ غدًا لنحل هذه الفوضى.

في اليوم التالي أستيقظ محمود أولًا وكان مرهقًا كثيرًا من كثرة الكوابيس وعدم النوم جيدًا، أحس ماجد به فقام هو الآخر وجلس معه وبدأ يسأله عن توتره الغريب ليلة أمس ولماذا كان خائفًا ولم يعترف بأفعاله، أخبره ماجد بألا يتردد في الحديث معه، وإذا كان يخاف شيئًا ما فعليه أن يخاف العذاب الذي قد يحل عليه نتيجة اللعنة، والأهم أن يفكر في عذاب الآخرة.
لم يتحدث محمود في البداية وظل ساكنًا في مكانه، وبعد لحظات تجرأ وبدأ يحكي لماجد على كل شيء وقبل ذلك أشترط عليه أن يكون هذا الكلام سرًا بينهما، وافق ماجد ثم بدأ محمود في الحديث ومع كل كلمة كان يتردد في قولها ويرتعش خوفًا، وكان يتحدث قائلًا:-
“لقد كنت أمارس حياتي بلهفة شديدة، هو أن أعيش كما أريد وأحقق كل ما أريده، لو كنت أستطيع تغيير العالم لجعلته يخدع لي وليس على اعتقادك بل اعتقادي هو أن للأسنان الأحقية في الحصول على كل شيء، طالما أنك ترغب في شيء فلماذا لا يكون لك، استطعت أن أتحكم بنفسي من ارتكاب أية كبائر، ولكن لم أكن لأستطع تغيير ميولي، هروبي من الشهوات للنساء ثم أن أصبحت حقيرًا، اتمايل إلى رغباتي وإلى شذوذي، اقترفت ذنبًا كبيرًا، لا أستطيع التخلص من تلك الرغبة يا ماجد، وعندما تقتلني رغبتي كنت أتلاعب بالأطفال الصغار، لا يمكن أن أعيش بقذارتي ولكن سأنتظر العقاب يأتيني.”

طوال هذا الحديث لم  يوجه محمود نظره إلى أعين ماجد ورأسه منبطحه أرضًا، وليهدأ ماجد محمود أخبره بأن الجميع أرتكب ذنبًا وجميعهم ليسوا جيدين وأيضًا أن ينسى الماضي الأن ويفكر في القادم ويصلح من نفسه.
الساعة الواحدة ظهرًا أستيقظ رشدي من نومه وألقى السلام على محمود وماجد ومن ثم جلس معهم وبدأ في التحدث:-
– إذًا ما الذي سيحدث الأن، وما الذي سنفعله؟!
رد محمود قائلًا:-
– في هذا الموقف ما الذي تستطيع فعله، هل تتخلى عن العالم أم تنقذ وجوده؟!، ولتفهم شيئًا أحيانًا يكون الصواب هو أن تترك الفعل الصحيح يحدث بمفرده بدون تدخل من أحد، ومن الممكن أن تتألم من حدوثه ولكن سترى أن الصواب دائمًا يحقق عدالة لك ولغيرك.
استكمل محمود حديثه:-
– أعني أن نتوقف عن كل شيء ونترك النهاية تأتي، صدقوني العدالة هي أن ينتهي العالم ونموت جميعًا، مع أقرب وقت سأكون أول من يشارك في تحقيق العدالة وبالأصح العدالة مع نفسي فأنا لم أستحق كل شيء في هذا العالم.

الشفقة التي سيطرت على ماجد وهو  ينظر إليه ويدقق في عينيه وطريقة تحدثه المليئة باللامبالاة وكره الذات، اللامبالاة في نهاية العالم يا لها من جرأة هذا الوجه البارد، وكأن توقعه للشيء قد حدث أو لا يبالي بما سيحدث، لا يخشى العقاب فهو يرغب في العدالة.
انتهى محمود من الكلام وماجد كعادته يهدأ في الجميع ويخبرهم بأن الأزمة ستمر، جلسوا يتناقشون وماجد تذكر الرسالة التي أخذها من الرجل العجوز واخبرهم بأنه سيتحدث إلى هذا الرجل ويأمل في الحصول على أية معلومة.
توصل ماجد إلى الرجل العجوز عندما شاهده من بعيد وهو قادم ويحمل في يده بعض المستلزمات وطعام يكفيه لعدة أيام وأتضح له أن الرجل يعيش في منزل قريب من منزله فقام وسار خلفه ومعه رشدي ومحمود، أعترض ماجد طريقه قبل أن يدخل إلى المنزل وردد قائلًا:-
– من أنت؟!، يجب أن نتحدث!
سمح الرجل بدخول ماجد ومن معه ثم تعرف عليهم وقدم لكل واحدًا منهم كوبًا من الشاي، كان يتحرك ببطء؛ لكبر سنه، ويتوغل في حركته فكان يلتفت من حولهم وهم جالسين وبدلًا من أن يجلس كان يتراجع ويتمعن بالنظر لهم، قام بإظهار صورة مكتوبًا على خلفها أسمه وسنة ميلاده وبدأ في التحدث لهم:-
– عشتُ أيامًا عديدة وأكثر اللحظات التي أثارت انتباهي طوال حياتي هي المقاومة التي رأيتها في أعين الناس وحتى نظرت في عينيك يا ماجد، انت تقاوم من أجل الجميع وهذا رائع مقارنة بصديقك رشدي، هو خائف ومرتعش من الذي جرى وسيحاول النجاة بأي طريقة ولكن بداخله لا يفكر في أحد سوى نفسه، أما أنت يا محمود فلا تُبالي شيئًا ولن أحسدك على ذلك؛ لأنك لن تُبالي بحديثي والأن لاتبالي حديثي على الرغم من تركيزك العالي وتدقيقك بي.
وأكمل ضاحكًا:-
– لا تستغرب يا محمود، هذه حقيقة ويجب أن أصارحك بها.
وأكمل قائلًا:-
– ولذلك أتيت أليك يا ماجد، أنت القادر على إنهاء اللعنة أما من معك فلا فائدة منهم، الوقت يمر وستعود تلك الأصوات المجهولة من جديد ومعها سينتهي العالم.
هم السكوت للحظات وكان كلًا من ماجد ومحمود ورشدي ينظرون لبعضهم ثم تحدث ماجد ورد على كلام الرجل العجوز وبكلماتٍ بسيطة يقول:-
– ولكن من أنت والأهم من ذلك ماذا سنفعل؟!
رد عليه الرجل العجوز قائلًا:-
” منذُ نصف قرن كنت أعمل في المستشفى الملعونة، حينها كنت في العشرين من عمري وفي البداية لم أكن اعلم شيئًا عن المستشفى وعندما أدركت كل شيء وشعرت بأن هذه ليست مجرد مستشفى رحلت وقبل رحيلي تركت رسالة على إحدى الجدران وشرحت فيها  كل شيء رأيته، على أن تكون سبب في إنقاذ أي حد أو على أمل أن تحدث معجزه لكشف سر المستشفى، وأتت المعجزة وقرأتها أنت يا ماجد، لا تستغرب فانا دائمًا على تواصل مع خالد وهو علم بذهابك للمستشفى، يا له من مسكين يرى ما لا يعرفه أحد ويمكنه أن يتخيل كل ما يحدث في المستشفى الأن ولكنه يجد صعوبة في التعبير، من المؤكد أنكم رأيتموه ولاحظتم شكله، شاب وسيم في كامل لياقته لا يكبر ولا تظهر عليه علامات الشيخوخة، بالمختصر لإنقاذ العالم يجب أن يموت خالد وهو لن يموت بمفرده، عليك أن تقتله يا ماجد.”
 لتحميل القصة بصيغة PDF تصفح للنهاية
غضب رشدي وقام بمسك الرجل العجوز من رقبته وهو يقول أنه قادر على قتل خالد ولماذا ماجد هو الذي يقتله وينقذ العالم، فهل هو البطل الملاك ونحن الجبناء الشياطين، وردد أيضًا قائلًا:-
“أسهل ما يمكن فعله هو القتل، وإذا كان هو الحل الوحيد لإنقاذنا جميعًا فأنا الذي سيمكنه فعلها.”
رد الرجل العجوز بصوتٍ عالٍ:-
– لا يمكنك فعل هذا يا رشدي، أنت لن تقتل إنسان هكذا بسهولة، القادر على قتله هو ماجد، هو ليس بملاكٍ أو متطهر من كل الأثام ولكنه الأكثر صدقًا فيكما.
تحدث محمود:-
– لايهم يا رشدي من فينا سيقتل خالد أو من سيكون البطل، نريد فقط أن تنتهي اللعنة ولاشيء غير ذلك.
هدأ رشدي وأخبر الرجل العجوز بأنه سيذهب مع ماجد إلى منزل خالد وسيقتله وسيقدر على فعل هذا، رد عليه الرجل العجوز وأكد له أن جميعهم سيذهبون سويًا، غفل ماجد قليلًا مع نفسه ومن ثم تحدث قائلًا:-
– ولكن هل سأكون مذنبًا هكذا، أعني أن ننقذ العالم مقابل أن نقتل شخصًا بريئًا!
تعصب رشدي ثانيًا بل ازدادت عصبيته وهو يخبر ماجد أن خالد ليس له وجود ويجب أن يموت لكي يعيش الباقي ولا يمكن إلقاء اللوم على أحد، أعطى الرجل العجوز مسدسين واحدًا لماجد والثاني لرشدي ثم قال لرشدي  إذا أستطاع أن يقتل خالد فعليه أن يقتله بعدها، كان متاكدًا من فشل رشدي؛ لأنه جهل في تفكيره وشعر بالغرور وأراد ان ينتقم لعائلته، وأخيرًا قبل خروجهم من منزل الرجل العجوز قام بإلقاء بضع كلمات وهو يقول:-
” لكل واحد دور سيقوم به، يمكن أن يكون الدور الأسهل هو قتل خالد والأصعب هو أن يحاول أحدًا منكم الفرار من مصيره أو الأستخباء بحجة أن تُغفر له ذنوبه، ليست بتلك البساطة، يمكن أن تموتوا جميعًا مع خالد أو يعيش أحدكم، وإذا مر كل شيء على ما يرام فستكون هناك فرصة لكم؛ للتكفير عن ذنوبكم ولنيل حياة أفضل.”

ودع الرجل العجوز العلماء الثلاثة وبعد ذلك أتجهوا نحو منزل خالد، ماجد على اتم استعداد، تقدم وطرق باب المنزل ثم فتح له خالد وعندما رأى ماجد وهو ممتسك بمسدس في يده تراجع للوراء وهو مبتسمًا وبدأ يتحدث قائلًا:-
– أخيرًا يا ماجد شعرت بما أنا فيه وعلمت الحقيقة، هكذا هو مصيري كما تخيلته، على الرغم من بشاعة عقلي في تخيل الأشياء الجميلة، الرعب والخوف والذكريات القاتلة.. كل هذا لم يتركني، الموت أفضل ما قد يحدث لي ولكم جميعًا، هيا أفعل ذلك بسرعة، أريد أن أتحرر من كل هذا.
وقف ماجد في مكانه والدموع تنهمر من عينيه، يحاول توجيه مسدسه نحو خالد ولكنه لم يقدر والمعاناة تقتله، بدأت يداه ترتعش حتى ترك المسدس وأوقعه ثم قال:-
– لا أستطيع، لن أقتلك يا خالد.
صاح خالد في وجه ماجد متأثرًا:-
– بل ستفعل، أرجوك يا ماجد أنقذني من عذابي، أنت شخص جيد وما ستفعله الأن سينقذنا جميعًا، لا تخذلني وهيا أفعلها.
توقف ماجد للحظات ولم يستطع قتل خالد، قام رشدي بمسك مسدسه وأخذ مسدس ماجد من على الأرض وهو يردد قائلًا:-
– حسنًا، سنرى الأن من هو القادر على إنقاذ العالم، بيدي اليمنى سأطلق على قلبك وباليسرى سأطلق على رأسك، سيكون هذا ممتعًا.
أطلق رشدي الرصاصة الأولى وقبل وصولها إلى خالد ألتفت وغيرت اتجاهها نحو رشدي لتصيبه في رأسه ويقع أرضًا غارقًا في دمائه.
ذعر ماجد ومحمود ومن ثم قال خالد لماجد بأن لا يضيع وقت ويقوم بقتله الأن، وفجأة ارتفعت أصوات صريخ وخالد يستمر في قوله لماجد بأن يقتله حتى لا ترتفع الأصوات ويستمع لها العالم أجمع وأن هذه هي الفرصة الوحيدة لإنقاذ العالم، ومع أصوات الصريخ و الصدمة التي على وجه ماجد نظر محمود إلى جثة رشدي لثواني ومن ثم أمسك بمسدس من على الأرض، نظر إليه ماجد ثم قال:-
– محمود، ماذا تفعل؟!
نظر محمود إلى ماجد وردد قائلًا:-
– هكذا ستتحقق العدالة، العدالة كما يجب أن تكون، وداعًا يا صديقي.
ثم أطلق رصاصة خرقت رأسه ووقع بجانب رشدي، بكى ماجد منهارًا لفقدان صديقيه ثم أقترب نحوهما ونظر إلى وجهيهما وأغمض عينيه ووقع أرضًا متجاهلًا كل ما يحدث من ضجيج.
خالد متحدثًا:-
“لا تستسلم هكذا، لا يجب أن تستسلم الأن!”
كرر خالد تلك الكلمات حتى أفاق ماجد وأستعاد وعيه وقام بمسك مسدسه ثم أطلق رصاصة على رأس خالد وحينها توقفت الأصوات.
تمكن ماجد من فعلها، تحرر خالد وتم إنقاذ العالم ولم يدري احدًا بالذي حدث.
من أستحق النجاة قد نجى ومن مات فهو يستحق الموت.
لم يكن العالم في حالٍ جيد قبل بداية اللعنة وحتى تأتي النهاية لن تتغير الأحداث، سيستمر العالم على حاله وكل المأسويات المرتكبة في الأرض ستستمر، لن يتحسن الوضع، يجب للأنسان أن ينظر إلى حاله ويفكر في أفعاله؛ لكي لا يعاقب الجميع بشكل غير لائق أو بطريقة أسوء من المتوقع.
جلس ماجد وبدأ يقرأ في جريدة اليوم وآخر الأخبار وأبرزها.. أختفاء المستشفى الملعونة وأن الأمر مريب وأيضًا شكوك حول بداية لعنه جديدة.
ماجد متحدثًا مع نفسه:-
” لا أعتقد أنها البداية ولكن هي دائمًا قد تكون بداية في أي وقت، العالم لن يدوم أكثر من ذلك.”

بعد أيام من زوال اللعنة وماجد يسير في الشوارع ويتذكر كل شيء، أصبح سعيد لنيل فرصة أخرى وأنه لم يموت أثر اللعنة، وأيضًا حزين علي فراق محمود ورشدي ولكن هذا قدرهما ومن المؤكد أنهم استحقوا ذلك

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!