قصص وروايات

رواية حديث فيما مضى

بقلم/شهد كمال

كتبت لنا مشهد تحت عنوان “حديث فيما مضى”

“حديثٌ فيما مضى”

يُحكى أنّ رجلًا طاعنًا في السنِّ _كان يرعى الغنم في الصحراء_ ويَهُشُّ بعصاه على غنمٍ لهُ وإذا برجُلٍ مُنعَّث الهيئة ممزقةً ملابسُه يركض إليه وهُوَ على عجلةٍ من أمره يصرخ به قائلًا: يا عَبدَ الله انتظِر، يا عَبدَ الله انتظِر
اشمئزّ الرّاعي منه ولم يُعره انتباهًا،ولكن الرّجُل لم يمّل وظَلّ يصرخ بِه:يا عَبدَ الله انتظِر، يا عَبدَ الله انتظِر
ضجر الرّاعي منه ووقف _على مسافةً مِنه_ وقال بِإنفةٍ وكِبرياء: ماذا تريد أيها المعتوه،أقُضيت مشاغلُك لتركض خلفي کالأبله
فتبسّم الرجُل بسخريةٍ مريرة وقال: لستُ بسارقٍ ولم أكُ بغافلٍ يا عمّاه..

قد كُنت _فيما مضى_ رجُلًا يُأمر بأمره ويُقضى بحُكمهِ ولكن ويحي مِن تِلك الأيام ومِن ثَمّ أن عمّ الصمتُ المكان وابتلع الرجل ما بجوفه وتابعَ قائلًا:لم أكُ للزعامةِ بطالِب ولم تهوَ نفسي الشهرةَ يومًا ولكن هكذا سُوقت إليّ الأيّام وعلى ملمحٍ من البصر وجدتُ نفسي هكذا..يشمئزُّ من هيئتي الرّائي فقد باتَ المظهر كُلَّ شيءٍ يا عمّاه ولكن على أيةِ حال..فقد كُنت أحذّرُك بوجود الضّباع في الناحية الأخرى،فُعد يا عمّاه..حَماكَ الله.

شاهد:رواية للعشق أسياد
ابتلع الراعي ما بجوفه وأردف بخجلٍ:عذرًا لكَ يا بُنيْ وشَكر الله صنيعَك فلتجلس هُنا ولنتجاذب أطراف الحديث
-كافئَكَ الله.. ولكني لم أُخبرك بما أخبرتكَ بِه لِتُشفق عليّ،فلتنتهي مقابلتنا حينئذٍ فلا ضَرر ولا ضِرار
أردف الراعي بإصرار: فلتجلس يا بُني،رجاءً
ابتسم الرجل بسخرية وقال: سُحقًا لمن ردّ رجاؤك يا عمّاه ومِن ثَمّ أن افترش الأرض بجانب الراعي وأردف بألمٍ: أوّاهٌ يا عمّاه
فأردف الراعي بلهفةٍ: ماذا حلّ بكَ يا بُني
-كما أخبرتُكَ يا عمّاه فقد كُنت سيدَ قومِه ناصرًا للإسلام والمسلمين ولكن في عصرِ يومٍ مشؤوم طرق أحدهم باب منزلي فإذا برَجُلٍ مِن أهل زوجتي المُتوفّاة فرحبت بِه وأدخلتُه منزلي وشاركته طعامي وقرّبته من مجلسي وتوسمتُ فيهِ خيرًا فقط لأنّهُ مِن أهلها _فقد كانَت لي کالممحاة التي تمحي أخطائي بين الناس_

ولكن توارى عن ذِهني شيءٌ فلم أشكّ بِه يومًا ما وحينمَا مَلّكتُه زِمام الأمور أچمعها إذا بِه يلفظُني بقدميْه ويزرعُ لي بينَ الناس الضّغينةِ والكُره ولم أجد مكانًا يَفسحُ لي سِوى تلكَ الصحراء فهوائُها كالطيرِ الذي يُمسِّدُ على الزرعِ بتغريدِه حتى حرارتها تكن لي كعِناقُ الأُمِّ وحيوانتها _قد تُصبح يومًا أصدقُ من البشَر_. فَـالدُّنيا _يا عمّاه_ کالدائِرة وعندما تضيق فلا بُدّ أن تُفرچ بمرور الأيّام
ترقرقت الدموع بعيني الراعي وأردف: باركَ الله فيكَ يا بُني
ربّت الرجُل على كَتِفيْ الراعي وابتسم ناظرًا إلى السماء..!

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!