قصص وروايات

قصة من الأدب الفرنسي الراهب وسيدة القصر

قصة من الأدب الفرنسي الراهب وسيدة القصر، هذه القصة يحكي فيها الراهب عن سبب رهبنته، بعد سؤال سيدة القصر عن ذلك، فتجده يحكي معاناته التي عاشها مع والديه. إن رواية الراهب وسيدة القصر هي للكاتب المشهور “جي دي موباسان”، وهي تعد من الروايات العالمية.

الراهب وسيدة القصر
الراهب وسيدة القصر

الراهب وسيدة القصر

في بداية قصة الراهب وسيدة القصر، قالت الجدة لأحفادها عندما حل المساء: هيّا يا أحبّائي، لتذهبوا لفراشكم، فقد حان وقت النوم.

نهض الأطفال الثلاثة، الصبي والبنتان، فأقبلوا على جدتهم فقبّلوها، وعلى الراهب الذي اعتاد زيارة القصر مساء كل خميس، يودعونه.

فجذب الراهب الطفلتين إليه، وضمّهما إلى صدره، وطبع قبلة لطيفة على رأسيهما وتركهما برفق، فغادرت الصغيرتان الغرفة، وأخوهم في المقدمة.

ـــ قالت الجدّة للراهب: أتحب الأطفال يا أبانا ؟؟!.

ـــ أجابها الراهب: أحبهم جدّا يا سيّدتي.

ـــ نظرت إليه قائلة: أولم تدرك أنّ من الصعوبة أن تعيش وحيدا؟ ألا تريد التعرّف على هذه الحياة؟!.

ـــ أجابها الراهب: أعرف عن هذه الحياة الكثير، ولكنني أخترت المهنة التي لا أصلح إلّا لها.

سؤال سيدة القصر عن سبب رهبنة الراهب

أمعنت الجدّة النظر في الراهب قائلة: هيّا حدثّني عمّا تعرفه عنها.
وأخبرني ما الّذي جعلك تعزف عن طيّباتها التي منحها الله لنا عزاء وسلوى؟. وما الذي جعلك ترغب بعدم الزواج وتكوين عائلة؟!، فأنت لست من المتصوّفين أو المتعصّبين، كما أنت لست متزمّتا أو متشائما.
يا ترى هل هناك حادثا جللاً أصابك حتّى جعلك تترهّب؟!.

• نهض الأب وتوجه إلى حيث النار المتوهّجة في الموقد الكبير وقد بدت على وجهه علامات التردد والإحجام عن الجواب!.

كان طويلا، أشيب الشعر، أثقلته السنون، لقد أمضى قرابة العشرين عاماً (راهباً وجاراً للعائلة).

كل أهل القرية يعرفونه طيّباً، عطوفاً، مرهف الإحساس، دمث الأخلاق، لطيف المعشر.

ـــ استمرّت سيّدة القصر بحثّه على الكلام قائلة: لكَ أن تبوح بالسر الذي دفعك إلى الرهبنة وإن شئت فلا.

قصة الراهب وأسباب رهبنته

ـــ أجابها الراهب:

سيّدتي أنا لم أخلق لهذه الحياة التي اعتادها الناس، لقد أدركت ذلك في الوقت المناسب، وكثيرا ما كنت أجد من يؤكد لي صواب ما ذهبت إليه، لقد كان والداي الّذان هما في سعة من الرزق والمال، يعملان في التجارة ومنشغلين بها، وطموحهما ازدياد الرزق والمال.

لذلك أرسلاني إلى مدرسة داخلية منذ كنت صغيرا، جلّ حياتهم التجارة، محرومين من العطف والحب.
هذه الحياة لا تلائم البعض، ولكنها قد تصبح مدعاة للشقاء لدى البعض الآخر.

والطفل بطبعه حسّاس جدّاً، فإن وجد أنه بعيداً عمّن يحب فإن هذه الحساسية قد تدمّر أعصابه الطريّة، وقد تتفاقم وتزيد إلى ما هو أسوأ لتتحوّل إلى حالة مزمنة تعيش معه طوال حياته!.

فأنا لم أكن أشارك الأطفال الذين من عمري في ألعابهم، ولم يكن لديّ صديق واحد بينهم، وحين أريد أن أنام في الفراش ليلاً، كانت دموعي تنهمر فأظلّ أبكي حتى يغلبني النوم.

وغالباً ما كنت أحاول العودة بذاكرتي إلى منزلي وأحداث طفولتي، أتذكّر الأشياء الحلوة حتى أصبحت هذه الذكريات من أساس حياتي، لا أستطيع ازاحتها عن ذهني فانهارت أعصابي، وأصبحت أرى أي مشكلة ومهما كانت تافهة، هي مصدراً لتعاستي.

فأصبحت ضيّق الصدر وعصبيّ المزاج، انطوي على نفسي، لا أستطيع أن أعبّر عن عواطفي، فأعصاب الأطفال سريعة التأثّر، لذا علينا تجنيبهم أي تعكير لصفو حياتهم حتى يشتد عودهم ويقوى.

فالعقاب الذي يناله الصغير في المدرسة دون سبب مثلا، يسبب له الكثير من العذاب النفسي والعقلي، أكثر مما يسببه فقد عزيز لديه، ويسبّب لنفسه المرهفة وذهنه الغض اضطرابا عاطفيا، قد ينتج عنه بعد فترة قصيرة داء عضال صعب العلاج.

هذا ما كنت أعانيه، لم أخبر أحداً بالأمر، حتى والداي، وشيئا فشيئا ازدادت حساسيتي وتفاقمت حالتي.
حتى بلغت السادسة عشر من عمري، وأنا خجول خائف وأشعر بالضعف، واتجنب الإختلاط بالآخرين. لم أكن أتحدث بجرأة أمام الآخرين، ولا أستطيع القيام بأي عمل في حضورهم، وتتملكني فكرة غريبة.

صراع الراهب مع الحياة في شبابه

هي أن الحياة عندي معركة مريرة وصراع رهيب أنا طرف أساسي فيه ومغلوب دائما. فعندما أنهيت دراستي، حصلت على إجازة طويلة. لأفكر في اختيار المهنة التي تناسبني.

وفجأة تعرّضت لحادث بسيط جعلني أفهم نفسيتي، وكشف لي الحالة السيئة التي أعانيها. فأدركت أن خطراً سيصيبني، وصممت على تفاديه.

إن القرية التي نعيش فيها صغيرة وتقع على سهل واسع فيه الكثير من الأشجار كيفما أمعنت النظر.
ويقع منزلنا في مكان رائع فيها، وكنت أقضي معظم وقتي متجولاً في أرجائها الجميلة، التي اشتقت لها كثيراً.

أما أبي وأمي فلا زالا منغمسين في تجارتهما وأعمالهما، ولم أر منهما أيّ اهتمام بآلامي وآمالي!.
صحيح أنّهما يحباني ولكن بعقليهما لا بقلبيهما.
فكنت حبيس أفكاري وأحلامي وأوهامي، لا أستطيع التغلب على مخاوف القلق التي تلاحقني. ثم تتوالى أحداث قصة الراهب وسيدة القصر؛ ليكشف فيها عن باقي أسباب الرهبنة.

صداقة الراهب والكلب

الراهب وسيدة القصر
الراهب وسيدة القصر

أمّا الحادث الذي أشرت له آنفاً ، فخلاصته أنّني حين كنت عائداً إلى بيتي ذات مساء. بعد أن قمت بجولة استغرقت طول النهار، شاهدت كلباً صغيراً يجري نحوي، وعندما اقترب منّي توقف وصار يدنو منّي شيئاً فشيئاً، حتى جثا على الأرض يهزّ بزيله ويحرك رأسه وهو ينظر إليّ.

حاولت إغراءه على الإقتراب منّي وعدم الخوف ومددت يدي امسح بها على رأسه وجسمه ملاطفاً، حتى تشجّع وانتصب واقفاً واضعاً يديه على كلتا كتفيّ. وبدأ يداعبني بأنفه ولسانه، وعندما واصلت سيري تبعني كظلّي.

لقد أحببته وأحبّني!. قد يبدو ذلك أمراً مضحكاً، غير أن لي إحساساً عجيباً، هو أنني وهذا المخلوق ضعيفان وعذابنا واحد ووحيدان في هذه الدنيا. وصار يرافقني يومياً، وينام ليلاً عند سريري، ويتناول طعامه بصحبتي.

قد يهمك: الحب الذي أزهر من جديد ورفيق حب طفولة سناء

الحادث الذي حوله من شخص عادي إلى راهب

الراهب وسيدة القصر يتحدثان عن أهم سبب للرهبنة:

قال الراهب: وفي أحد الأيام. وفيما أنا اتمشّى بمحاذاة الطريق الريفي، شاهدت عربة كبيرة تجرها أربعة خيول، تنطلق بأقصى سرعتها، وسائسها يلهب ظهورها بسياطه، والغبار من تحت عجلاتها تحملها الرياح بعيدا خلفها،
ويبدو أن ضجيجها وعجيجها قد أفزع الكلب الذي كان في الطرف الآخر من الطريق.

فأقبل نحوي، ولكن مروره كان من أمام العربة المسرعة، فصدمته حوافر الخيول وقذفت به بعيداً أمامها.
فحاول أن ينهض قبل أن تصل إليه العربة ولكنه لم يستطع.

بل وقع ثانية وسط قوائم الخيل التي تقاذفته وتركته يتلوى من الألم حتى لفظ أنفاسه. فقد كان لهذا الحادث أثر بالغ في نفسي لازمني مدة طويلة لا أخرج منها.

موقف والده من الحادث الذي شاهده الراهب وأثر به

لمّا انتبه والدي لحالي، قال لي: ماذا لو أصابتك مصيبة حقيقية، في حياتك المستقبلية، وفقدت زوجة أو ابن؟؟!.

حينها أدركت حقيقة نفسي، وتبين لي لماذا أحسّ متاعب الحياة اليومية هي كوارث لا تطاق في نظري.
لقد كنت بلا طموح، لذا قرّرت أن أكرّس حياتي لمواساة المعذٌبين بين الناس.

كنت أقول في نفسي، مادمت لا أستطيع معاناة الألم بنفسي، فلا بأس أن أعيشه مع الآخرين، ومع هذا كان الخوف الغامض يتملكني.

• وأطرق الراهب صامتا، وهو يحدق في نار الموقد المتأجّجة، كما لو كان يقرأ في ثناياها غوامض الحياة التي عاشها.

ـ وأخيراً قال بصوت خفيض: لقد كنتِ على حق، فأنا لا أصلح لهذه الحياة يا سيّدتي.

كلام الراهب وسيدة القصر قبل رحيل الراهب

أما السيّدة فقد قالت بعد صمت طويل:

ـــ أمّا أنا فإني أدعوا الله ليمدّ في عمري كي أرعى أحفادي الذين حرموا من أمهم وأبيهم، والذين لولاهم ما كان هناك سبب للحياة.

الراهب وسيدة القصر
الراهب وسيدة القصر

• نهض الراهب دون أن يتفوه بكلمة.
ورافقته السيّدة إلى باب القصر، حيث غادر وسراجه في يده، ووقفت تراقب ظله وهو يتحرك ببطء حتى ابتلعه الظلام. وتكون هذه هي نهاية حوار الراهب وسيدة القصر.

وبهذا نكون قد قصينا عليكم قصة من قديم الزمان، وهي رواية الراهب وسيدة القصر لجي دي موباسان، الذي وضح فيه الراهب أسباب رهبنته.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!