قصص وروايات

رواية وأخيرًا ارتحل الفُراق

قصة “وأخيرًا ارتحل الفُراق”

بقلم/شهد كمال

“وأخيرًا ارتحل الفُراق”

عَبير بحدة: ماذا تقصِد
ياسين بخفوت: اهدئي عَبير وأصغي إليّ قليلًا
-اصمُت لا أريدُ سماع شيءٍ مِنك
ياسين بألم:صدقيني..لا تسرُّني رؤيتي لكِ بتلك الحالة،فأنتِ عزيزةٌ عليّ
-كاذب،حقًا أنتَ تكذب..لو كُنتُ عزِيزةً عليكَ كما تدّعي لمَا تخليت عني
مسّد ياسين علىٰ رأسه بعصبية وقال بهدوء: أنا لم أعِدُكِ بشيء وأنتِ تعينَ ذلك جيدًا
انهمرت الدموع من عينا عبير التي قاوَمت لحِفظِها طويلًا وقالت بصُراخ: نعم، أعلمُ أنكَ لم تعِدُني بشيء ولكن مِن أصغر فردٍ في القرية لأكبَرِها يعلمون أنني لكَ ثم تابعت بألمٍ يتبعهُ انكسار: أعلمُ جيدًا ما الذي جعلَك تستبدلُ بي أُخرىٰ
تسارع ياسين في إجابته: صدقيني عبير،أنتِ لستِ صائبة..فذاك قراري منذُ زمن

تعالت شهقات عبير وقالت:إذًا لماذا تركتَ فتاة صغيرة تغفو وتستيقِظ علىٰ اسمِك،لماذا تركتَ فتاة صغيرة مُعلقةً بك،لماذا تركتني أشكو لِصورتِك مرارة اليُتمِ ووجع الدُّنيا،لماذا جعلتني حينما تتمرّد عليّ الحياة أقِف وأهتف باسمِك وتابعت بصراخ: أخبرني لماذا، لماذا لمْ تنهض وتنفي ما يعتقدُ بِه الناس أو علىٰ أبعدِ قرار لماذا وتابعت بانكسار: لمْ تُخبرني..أَلِـأَنَّكَ علىٰ علم أنكَ لن تجد مَن يقف وجهِك ويقول: هذِه ابنتي وتعالت شهقاتها

زفر ياسين بغضب وقال بهدوء: صدّقيني أنا لم أستطع،فمُنذُ نُعومة أظافرنا والجميع يُردّدّ أننا لبعضنا، وكيف سنكُونُ زوجان فريدان من نوعِنا..لم يسألني أحدُهم عن قراري ولا عن ما أرغب بِه..ولأنني كُنت فتىٰ مثلُ جميع الفُتيان فكُنت أحب أن أكون مُنتشِلًا قلب إحداهُنّ ولكن عندما كبُرت اختلفت نظرتي في الحياة واختلفت نظراتي تجاهكِ،صدقيني لقد كُنت أتمنىٰ وبشدة أن نكون معًا ولكن قلبي ليس بيدي

عَبير بألم: كما تُريد أتريدُ انفصالًا؟ فليكُن،وداعًا
أردف ياسين بلهفة: إذًا،متىٰ سأراكِ ثانيةً؟
عبير بحدة: لم أقُل إلىٰ اللقاء بل قُلت وداعًا.. انتبه جيدًا
ابتلع ياسين ما بجوفه وقال: حسنًا وداعًا

“لا أعلم ما ينبغي عليّ فعلُه ولا ما يجب عليّ قوْلُه وهل أصبتُ فيما قُلتُه أم كُنتُ مِن المُخطئين ولكن أشعُر أن ذلك المشهد كان لا بُدّ لهُ أن يحدُث وقد حدث بالفعل..
أعلمُ أنها تُعدّ المجني عليها في ذلك الموقف ولكنني حقًا لستُ الجاني.. عَبير ابنة الخالة فايزة _التي كانت تعمل عندنا كخادمة منذُ زمن_ ولكن بغضّ النظر عن ما حدث فقد تزوجها عمي _رحِمهُ الله_ وقرّبها ابنتَها إليه وأصبحَت فردًا لا يتجزّأ من العائلة بل وأقصىٰ مِن ذلِك فقد أقرنها الجميع بي وقررُوا زواجَنا باعتبار ماسيكون.. ولكن أين أنا من ذلك؟ لمَ لمْ يسألني أحدُهم عن رأيي؟ هذه حياتي..

موقنٌ تمامًا أنّ عَبير فتاة قد يتمنىٰ الكثيرُ الاقتران بها لِقَدر ما تحملُه من جمالٍ ووسامة فهيَ حقًا تمتلكُ جسدًا فريدًا من نوعِها ولكن كوْنُها مفروضة عليّ لا أستطيع تقبُّلها،وأيضًا مِهنتي تختلفُ تمامًا عنها فأنا طبيب وهيَ لمْ تُكمل بَعد ثانويتِها كيف لي أن أقبل بهذا..لمْ أكُن يومًا بالشَّخصِ المُتعالي المغرور ولكن مِن حقِّي أن أتزوّج بالفتاة التي تتبقلها شخصيتي ويستطيع أن يرضىٰ بها كِبريائي..قد يعتقد البعض أنني أمقُت عَبير وأُضمِر لهُ الشَّر ولكن علىٰ العكس تمامًا فأنا أُحِبُّ عَبير وأُقدِّرُها كثيرًا ولكن كشَقيقةً لي لا أكثر..أرجو حقًا مِن الله أن يرزق عَبير مَن يُحِبها ومَن يكُون مطابقًا لمَا تحملُه في قلبها مِن مشاعر وأخلاق”

هرولت عَبير إلىٰ منزلها وقلبُها يقطِر دمًا بديل الدّمعِ
صعِدت عَبير درجات منزلها ومِن ثَمّ أن دلفت إلىٰ غُرفتِها وجلست فوقَ فراشها وزمّت رُكبتَاها إلىٰ صدرِها ومِن ثَمّ أن وضعت رأسها أعلاهما وسمحت لعيناها بتحرير دُموعِها فتلكَ هيَ عادتُها حينما تكون حزينة فلم تكُن والدتها يومًا من النسوة اللاتي يُصادقن بناتهُنّ ولا الشعور بما يعتري قلوبهُنّ.. فهيَ علىٰ اقتناع تامّ أنّ ابنتَها بخير طالما تتناول طعامها بنظام ولكن أينَ هيَ مِن قلب ابنتها المفطور حُزنًا على ما حدث…
مضىٰ يومٌ تلاهُ آخر تلاهُ آخرون و..
في إحدي استراحات مدينة القاهرة التي تطل علىٰ النيل يجلس ياسين برفقةِ فتاة يبدو عليها الوَقار من حديثها وابتسامتِها وحتىٰ ملابسها..

ابتسمَ ياسين وقال: وماذا تنوينَ أيضًا
رفعت عُلا كَتِفها وأنزلته وأردفت ببلاهة: لا أعلم ولكنني أشعُر بالإرهاق يسري في جسدي بأكمله وأشعر الوَهن قد تملّك مني
قهقه ياسين بخفة وقال: يا للهول..أ أتحدث مع فتاة في مُقتبل العمُر أم عجوزٌ تحِنُّ إلى لقاءِ ربِّها
عُلا بضيق: ماذا تقصِد يا ياسين
ابتلع ياسين ابتسامته وأردف: لا شيء عَزيزَتي
-إذًا اصمت
أردف ياسين مُتسائلًا: أجئنا إلىٰ هُنا لنصمُت
ابتسمَت عُلا بخجل وقالت: إذًا لماذا جئنا إلىٰ هُنا

اتسعت ابتسامة ياسين وقال بخُبث: أتُريدين إقناعي أنّ عمي لم يُخبركِ شيئًا
تظاهرَت عُلا بعدم المعرفة وقالت: ماذا! عمُّك
أتقصِد أبي؟
أردف ياسين بخُبثٍ وقال: يا لكِ مِن ماكرة أيتُها الطبيبة
ارتفع كَتِفَا علُا بحركة لا إرادية وقالت بابتسامة: تعَلّمتُهُ منكَ أيها البروفيسور
أردف ياسين بجدية: دعينا من ذلك الحديث وأخبريني ما رأيُك

شاهد:رواية جواز صالونات
-فيما!
-أتمزحين؟
-أبدًا
ابتلع ياسين ما بجوفه وقال بغيظ: عُلا
-ماذا
-كفاكِ مزاحًا يا فتاة
أردفت عُلا بدلع: أ زهيدةٌ أنا في نظرِك لكيلا تقولها أمامي
-وما هيَ
-ياسين
-مَن ملكتِ فُؤاده
-ماذا تقول!
اتسعت ابتسامة ياسين وقال: لا شيء..ثمّ تابع بخفوت وقال:عُلا
-ماذا
-أتقبلينَ أن يملأ حُبُّكِ جنباتُ قلبي
عُلا بخجل: ماذا
-أتقبلينَ أن تكوني أمنيتي التي طال شوقي لتحقيقِها
عُلا بخجل: ياسين
اتسعت ابتسامة ياسين وقال: أتقبلينني مرافقًا متنغمًا لقلبِك يا مَن ملأ حُبُّكِ ثنايا الفؤاد
عُلا بدلع: عَزيزي
-أُحِبُّكِ
-ماذا!
-بلهاء ويشهد ربي
عُلا بانزعاج: ياسين
– اصمُتي..هيّا لنذهب لأبيكِ
-لماذا

-لأَقتُلكِ أمامهُ يا مَن احترق الفؤاد بحُبّكِ
ابتسما كلاهُما حينَما أقرّ حُبهُما والداهُما ووافقا علىٰ زواجهما في منتصف العام القادم

انتبه ياسين لقطراتِ مياهٍ تسقط فوق رأسه حينَما كان يقف في شُرفة غرفتِه فَرَفع رأسهُ إلىٰ الأعلىٰ فرأىٰ عَبير وهيَ تُطل من شُرفة غُرفتِها وقد تركت لأدمُعِها العَنان فشعَر بانقِباضٍ بقلبَهُ وتذَكَّر وَجْهَ عَبير حِينمَا أخبر والدَهُ العائِلة عن عَزْمِه علىٰ خِطْبَة زَمِيلتهُ في المَشْفىٰ غَير آبهٍ بِمَا قَدْ يحدُث لِـ عَبير المفطورِ قلبَها ومِن ثَمّ أن أردف بصَوتٍ مُرتفِع نِسْبِيًا: عَبير
ألقَت عَبير نظرةً علىٰ مَن يُحَادثُها وزَمّت شفتاها ِلِتَمنع دمُوعِهَا مِن الهطولِ مُجَدّدًا وأجَابَت بألم:

ماذَا تُريد
-آسِف.. أعتذِرُ لكِ نيابةً عن الجَمِيع، نيابةً عَنّي ونيابةً عَنِ الذين خذلوكِ ومَن جَعلُوا قَلبكِ يقْطِر بديل الدّمعِ دمًا.. آسف حقًا لكِ
ارتفعَ إِحدَىٰ حاجبيْ عَبير وقالَت بسُخريةٍ مَرِيرَة: قَبِلتُ أسفَكَ حقًا، لم يحدُث شيئًا قط، فقط قلبي انفطَر وعيناي تجمّدت وسُحِلت روْحي لاتقلق فأنا لا أزالُ بِخَير ومِن ثَمّ أن مدّت يداها لتُغلق شُرفتِها بعد أن قالت باستِنكار: وداعًا أيُّها.. أيُّها العريس
زمّ ياسين شفتاه بغَيظٍ وأردفَ:سُحقًا لهُم
……
-حَمزة،حَمزة ألن تستيقِظ يا عَزيزي..؟
حَمزة بتكاسُل:دعيني يا أمي أغفو قليلًا
أردفت والدَتُهُ:وكيف يحدُث هذا يا بُني؟ ألم يُحَدد عمُّك ميعادًا لتُقابلهُ اليوم
تثَائَب حَمزة مُجددًا وقال: نعم نعم..دعيني خمسُ دقائقٌ فقط
تنهّدت والدَتُهُ وقالَت: حسنًا يا بُني ولكنني لن أُوقظُكَ مرةً أُخرىٰ
نهضَ حَمزة وتثَائَب مرةً أُخرىٰ وأردف: حسنًا حسنًا لقد استيقظت
اقتربَت فتاةٌ لمْ تُكمل بعد الخمسة أعوام وقالت: ألن تأخذني معَك يا حَمزة، أرجوك أُريدُ أن أذهب برِفقتِك
زفَر حمزة بغضب وقال بضيق: أبعِدي ابنتَكِ عني يا أمي
-رجاءً يا بُنيْ دعها تذهب معك

فقد مللتُ من الجلوسِ في المنزِل فما بالُك بِطِفلةٍ صَغيرة مثلُها
حمزة بضِيق: لا شأن لي يا أمي ومن ثَمّ أن دفعها برفق وقال بعصبية: ابتعدي عني يا نُور ابتعدي
التمعت الدموع في عينا الصغيرة وقالت: ولِمَ لا إنأ أُحِبك يا أخِي
أطلق حَمزة ما بجوفه وقال: أما أنا فأكرهُك وأمقتُكِ جدًا، هيا ابتعدي عني
ألقت الصغيرة نفسَها بين ذراعي أُمَّها وأطلقت لصراخاتها العَنان
نظرت أمُّهُ بلومٍ إليه وقالت بعتاب: إنها شقِيقتُكَ الوحيدة يا بُني، ألم يرقّ قلبُكَ لها بعد
أردف حَمزة بضيق: رجاءً أُمّاه اخرجا لكي أبَدِّل ملابسي
نهضت والدتُه وتحمِل في قلبها طيات منَ الألم علىٰ ما فعله ابنها ولا يزال يفعلُه وحملتِ ابنتها وولجَت للخارج
بدّل حَمزة ملابسه وألقىٰ التحيّة علىٰ والدتِه قائلًا: إلىٰ اللقاء يا أمي
-إلىٰ اللقاء يا عَزيزي

هبَط حَمزة درجاتِ منزِلُه وسَار باتجاه سيارته ومِن ثمّ أنِ امتطاها وقاد سيارته ببطأ وشريطُ ذِكرياتِ حياتِه يمُرُّ أمامه بقسوة
“الجميعُ يعتقد أنني أكرهُ نور.. كيفَ لي أن أكرهها فهيَ شَقيقَتي الوَحِيدة ولكن عليّ أن أتظَاهر بذلك. فشُعوري بالغضب والحنق من أمي لم يزُل بعد.. كيف لها أن تتخلّىٰ عن حُبها لأبي وأن تتزوج بغيرٍه فوْر مماتِه حتىٰ لوْ كان بِعَمي..لم أستَطِع أبدًا تَخَيُّل أحدًا يحتال ويصِيرُ بمكانة أبي _الراحل_ لأجل..لأجل النقود..
حينَمَا أتىٰ عمي إلىٰ منزلنَا _بِصِفتِهِ_ زوجًا لأُمي ومُقيمًا في بيتِنا أحسَسْتُ أنّهُ وحشًا كاسرًا وليس زوجًا لِأُمي وبِالفعل حدث ما دار بحدسِي فقد أقنع عمي زوجتَهُ _أي أُمّي_ بِكتابة أموالُ أبي _رحِمهُ الله_ لِيستثمرُها لي ولكنه فوْرَ أن صارتِ الأموالُ بحوْذتِه قد قرر الانفصال عن والدتي ولكنّ المفاجأَة التي قلُبَت رأس العاصِفة حين معرفتنا أنّ هُناك مخلوقًا صَغِيرًا ينمو في أحشاءِ أمي واتهام عمي لِأُمي بالخِيانة وظُهور الأقاويل الفاحشة عن أمي وحينها قَطعت لسان كُل مَن تحدّث بالسوء عن أمي أيًا كانت منزِلتُه أو مقامُه في حياتي وبالفعل انفصل عمي عن أمي وأقسَم مِرارًا وتكرارًا أنّهُ تبرأ من تلك الصغيرة التي لم تخرُج إلىٰ الدُّنيا بعد وبالفعل حينما أتىٰ المخاضُ إلىٰ أمي لم يذهب معها في ذلك الوقت الحَرِج سواي ومِن ثَمّ أن لحِقت بنا عمتي بعد مرور الوقت..

كُنتُ أوّل مَن حمَل نور بين يديه وأول من قبّلها فوقَ وجنتِها لا أعلمُ كيف اقتحمَ حُبّها قلبي اقتحامًا مفاجئًا وكيف لا فهيَ شَقيقَتي..طالما حلُمت بأخٍ أو أختٍ يؤنساني ويكونا لي الذُّخر المنتظَر ويشاء ربي أن أُرزق بأختٍ بعد إتمامي خمسٌ وعشرون عامًا وعِندئذٍ كُنتُ أنظُر إليها بحُبٍ ولُطف وحينها تعالىٰ صوتُ عمتي بسخريةٍ قائلة:أتُحبها يا حَمزة حقًا أم تدّعي ذلك؟
تلاقت نظرتي مع نظراتها وأردفت بتعجُّب: ماذا تقولين يا عمّة! ولمَ أدّعي ذلك،أليست أختيَ الصُّغرىٰ
تعالت ضحِكاتُها في رواق المشفىٰ وصار الجميع يطلعنَها فتمتمتُ بنفاذ صبر وأردفتُ بحدة نسبية: ما الذي فعلتِه يا عمتي،أتظُنين نفسكِ في المنزِل،اخفِضي صوتكِ
-أتغارُ عليّ يا حَمزة، انتبه فأنا لستُ حَبِيبتُك أيها الأبله..أنا عمّتُك
ابتلعتُ ما بجوفِي وقلتُ: افعلي ما تُحبينه يا عمتي
-أخبرني

انتبهتُ لها وقلتُ : ماذا هُناك
-ألستَ معترضًا علىٰ زواج أمكَ بعمّك
أردفتُ بتعجب: وما نفْعُ هذه الحديث الآن فبالنهاية قد تزوجا وانفصلا
-إذًا لماذا تُحب ابنة الرّجُل الذي تحدث عن أمّكَ بالسوء
-ماذا تقصدين
-لا أقصدُ شيئًا يا عَزيزي، ولكن كُن صادقًا في مشاعرِك
ابتلعتُ ما بجوفي وصمتت..صمتت وإلىٰ الآن وأنا صامت”
انتبهتُ لهاتفي الذي يضيء برقمِ والدتي والتقطته قائلًا:مرحبًا أمي
فعضتعالت شهقات نور قائلة:حَمزة
شعر قلبُ حَمزة بانقباضٍ وأردف بلهفة:ماذا هُناكَ يا نور
-أمي..أمي يا حَمزة
حَمزة بلهفة:ما بها أمي يا نور
-لا..أعلم ولكنها هوَت إلىٰ الأسفل
حَمزة بحزم:لا تقلقي يا نور،أنا آتٍ الآن
-حسنًا، أنتظرُكَ يا أخِي

انطلق حَمزة بأقصىٰ سُرعته إلى منزله وصعد الدرجات وقام بفتح بابِ منزلِه بمفتاحِه الخاص وذُهل عندما وجد والدتُهُ ملقاةً علىٰ الأرض وبجانبها أختُه تاركةً لدَمعُهَا العنَان ومِن ثَمّ أن هرول إلىٰ والدتهُ وحاول إفاقتها ومِن ثَمّ أن حملها إلىٰ الفِراش وناداها برفق:
-أمي.. أتسمعينني أمي
لم تجبه فأمهُ فحملَها مرةً أخرىٰ وعندما وصل إلىٰ باب منزلِه انتبه لصوت أخته قائلة بأدمعٍ مكتومة:أستتركني وحيدةً يا حَمزة
ابتلع حَمزة ما بجوفه وقال بحزم: ارتدي ملابسكِ هيا
وبالفعل ذهبا كِلاهما إلىٰ المشفىٰ برفقة والدتهما وبالفعل دلفت إلىٰ غُرفة العناية المشددة لأنها قد تعرضت إلىٰ أزمة قلبية حادّة مُفاجأة

جلس حَمزة بالرواق أمام الغُرفة التي تقطن بها أمُّهُ وقلبهُ ينفطِرُ دمًا ومِن ثَمّ أن ألقىٰ نظرةً علىٰ شقيقته فوجدها جالسة تترقبُ النظر إليه بخوفٍ شديد فآلمه ذلك الخوف الذي قرأه في عيناها وقال: اقتربي يانور ولا تخشيْ شيئًا اقتربت الصغيرة منهُ وتعالت شهقاتها وقالت بخوف: ستصحو أمي مرةً ثانية، أليس كذلك؟
اعتلىٰ قلبُ حَمزة الألم وقال بحُنوّ _حينما تذكر كيف فعل معهُ والدُهُ حينما كانت أمُّهُ ترقد فوق فراش المشفىٰ أيضًا_ : لا تقلقي حبيبَتي فَـ..

قاطعته نور بعد أن زمّت شفتاها قائلة:أنتَ لا تُحبني فقد قُلتَ لي ذلك صباح اليوم،ألا تذكُر؟
ابتلع حَمزة ما بجوفه وقال بحُنوّ:لا أنا أحبكِ كثيرًا
رفعت نور عيناها له وقالت والدموع تضيءُ بعيناها:حقًا!
-نعم يا عَزيزتي
ألقت نور نفسها بين زراعيْ أخيها وتركت لأدْمعها العنان فتفاجئَ حَمزة لوهلة ومِن ثَمّ أنِ احتتضنها لأوّل مرة بعد حديث عمتِه..
مرّ يومٌ تلاهُ آخر ومِن ثَمّ أن بشّرهُ الطبيب بتحسُّن حالة والدته وأنها ستسيقظ قريبًا وبالفعل صَدق حدسُ الطبيب واستيقظت والدته بعد ثلاث ساعات من محادثة الطبيب له وحينما كان حَمزة يجلسُ مع أمِّهِ حينما أردفت نور قائلة: كُنتِ مُحقةً يا أمي،فأخي حمزة يُحبني كثيرًا فقد أعطاني عبوةَ العصير الخاصةِ به
ابتسمَت والدتها بوَهن وقالت: نعم صغيرَتي، فأخاكِ يُحبُّكِ كثيرًا ومِن ثَمّ أن ربتت فوق كتِف وَلدِها وقالت:عِدني يا بُني
انتبه لها وقال:بما يا أُمي

-أن ترعىٰ شقيقتَك ولا تنساها حينما تتزوج يا بُني ويصيرُ لديكَ أطفالٌ مثلها،عِدني أن تجعلها أولهُم، عِدني يا عَزيزي
ابتلع حَمزة ما بجوفه وقال وقد ترقرقت الدموع وسالت من مقلتيْه:بل أنتِ من سترعينها يا أمي برفقتي
أردفت أمُّه بإصرار: عِدني يا بُني
-أعدُكِ يا أمي
تنهدت أمه وأجفلت جفناها ولم تُفتح مرةً أُخرىٰ
صرخ حَمزة وحينما رأتهُ أخته انهارت وهوَت على الأرض فحاوَل حَمزة التماسُك لأنّ أخته تستمد القوة منهُ وقلبُه ينفطر علىٰ فراقِ أمه

مضت أيام العزاء وجلس حَمزة بمنزِله وهو يشعُر أنّهُ مُغيّب ويعيش بجسدِه فقط كأنه آلة لا حياة فيها ولا روْحُ..يستيقظُ في منتصفِ الليل يجد أخته تصرُخ منادية بِـ: أمي، أمي عُودي إليّ باتت الحياةُ بدونِكِ خراب،أمي عُودي إليّ لتُعانقي ابنتكِ لم يعُد لي أحد،أمي عُودي لِي
وتقوم بهزّ وسادتها المفضلة ومِن ثَمّ لتُعاود حديثها:هيا لمَ لا تُجيبينني،أنُزعَ حُبكِ لي من قلبكِ؟ هيا يا أمي عودي لِتُمشطي شعري ولن أنزعجَ من ذلك،أعدُك ولن أخشىٰ الظلام مرةً أخرىٰ هيا
فيمسكُ بأخته ويحتضنها ويذهبا في النوم بعد صراعٍ طويل معه
وفي أثناء عودة حَمزة من عمله إذا به يصطدم بإحداهن فاعتذر لها دون أن يرفع عيناه إليها قائلًا:أعتذرُ لكِ ومِن ثَمّ أن انطلق ليأخذ شقيقتَهُ من الرّوضة
مرت أيام كُثُر حينما عرض عليه صديقه الزواج ليعيش في حياة مستقرّة برفقة أخته فأردف بحزنٍ:أخشىٰ علىٰ شقيقتي مِمّن ستصيرُ زوجتي
-لا تقلق،أحسِن الاختيار فقط ليس إلّا..
-إنها وصيةَ أمي
-ولكن لم تنهاكَ أمكَ عن الزواج
-أعلمُ ذلك ولكن..

-توكّل علىٰ الله فهُو خيرُ الواكلين
وبالفعل تقابل حَمزة مع شقيق الفتاة التي رشحها لهُ صديقُه واستبشرا خيرًا ببعضهما وتمّت المقابلة بينه وبين العروس ورحّبت عبير بإقامة نور ببيتها مُحاولةً أن تتناسىٰ ياسين وفرحَ ياسين بذلك الخبر كثيرًا وأردف حينما سمعه: أتمنىٰ لكِ السعادة التي لم تجدينها معَ
ستزول الآلام وستبقىٰ السعادة والسرور فقط علينا أن نتجلّد ونصبِر،آن للفراق الرحيل وآنت السعادة بالقُدوم..!

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!